أ. د. محمد فوزي جاب الله

حين تلقيت نسخة من كتاب "تاريخ الطب العربي" للمستشرق الفرنسي "لوسيان لوكلير" (ت سنة 1870م)، والذي عُني مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بترجمته للعربية، فأسند أمر الترجمة للسيد الدكتور/ أسامة أحمد عبد الجليل، وذلك تحت إشراف الأستاذ الدكتور / أنس عطية الفقي مدير المركز، بهرني الكتاب لما يتميز به من شمول المادة العلمية لعصور الدولة الإسلامية في تسلسل تاريخي رائع، ولما وجدته من جهد فائق ومشكور للأستاذ المترجم الذي حرص على الاطلاع على المصادر العربية الأصلية ذات الصلة، وطابق ما بها على ما جاء من معلومات بكتاب " لوسيان لوكلير "، فجاءت الترجمة بليغة صادقة تستحق كل التحية والتقدير.

وقد تفضل أستاذنا الجليل الدكتور/ عبد الحميد مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية، وأمين عام مجمع اللغة العربية بالقاهرة بمراجعة الترجمة وكتابة مقدمة تعتبر بحق جزءًا مكملًا للكتاب.

أما ما دعاني للتفكير في اختصار هذا السِّفر المتميز، والذي تفتقر المكتبة العربية والطبية لمثله، فهو كبر حجم الكتاب الذي يصل إلى نحو 1300 صفحة موزعة على جزأين، مما قد يشق على كثير من المهتمين بتاريخ أمجاد العرب العلمية أن يجدوا الوقت لقراءته والاستمتاع به كاملا، هذا فضلا عن أن الكتاب به الكثير من التكرار والإطناب والتفاصيل التحقيقية التي لا تهم سوى المتخصصين والباحثين.

وإن جاز لي أن أقول برأي في هذا الكتاب الفريد في موضوعه، فقد لاحظت أن المحتوى العلمي فيه يتناول بصفة رئيسة سيرة الأطباء والعلماء العرب والمسلمين أكثر من أن يكون منصبًّا على الطب العربي ذاتِه كعلم وفن، كما لاحظت أَيْضًا حِرص المؤلف على أن يذكر في كل مناسبة أهمية دور الأطباء المسيحيين واليهود في التأليف والممارسة الطبية، بل وفي تقلد المناصب الرئاسية في البيمارستانات وغيرها من مؤسسات الدولة الإسلامية. ومع هذا فإن " لوسيان لوكلير" قد أنصف العلماء والأطباء العرب في أكثر من موضع، وأشاد بفضلهم على علماء أوروبا في العصورالوسطى؛ لما حفظوه لهم ولأمم العالم من ذخيرة العلوم اليونانية، ولما أضافوه إلى تلك الذخيرة من فضل علمهم وجهودهم المتواصلة في شتى المجالات من طب وفلك وفلسفة ورياضيات وغير ذلك.