أكد الدكتور أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن التطور الطبيعي للحياة يقتضي تكوين محاضن تستهدف إيجاد نوعية من الدعاة الموسوعيين، يُحسنون فقه الواقع ومسايرة التطور السريع في دنيا الناس.
وقال في ورقته التي ألقاها في المؤتمر التاسع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي عقد بالقاهرة تحت عنوان: "بناء الشخصية الوطنية وأثره في تقدم الدول والحفاظ على هويتها"، خلال الفترة من 19 – 20 يناير 2019م، إن صناعة الداعية الموسوعي تحتاج إلى برامج دقيقة، غير نمطية، قادرة على التفاعل مع متغيرات العصر ومستجداته، ومن ثم التعاطي مع القضايا الفقهية المعاصرة.
ولفت إلى أن عالم اليوم في أمسّ الحاجة إلى مَن يعزز من فكرة "أن مجتمع الإيمان ليس هو المجتمع الخامل الساكن، الذي يعيش عالة على غيره في طعامه وشرابه، بل هو المجتمع الذي يموج بالحياة والحركة والعمل والإبداع والاتقان.. وتختلط فيه صيحات المآذن بضجيج المصانع والآلات، وبين الحين والآخر ينطلق صوت ندي ليقطع هذا الضجيج وليذكر الناس بأن الله أكبر".
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وعضو المكتب الفني بالهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد د. أحمد علي سليمان أن هناك مجموعة من السمات والصفات مَنْ يتحلى بها من السادة الدعاة يفوز بلقب الداعية الموسوعي، ومن ذلك:
ـ يداوم على التدريب والتعلم المستمر مدى الحياة.
ـ يوقن بأن العقل شريك النص في معرفة الحقائق.
ـ يحرص على أن يكون في مكونه المعرفي جديد كل يوم.
ـ يؤمن بأن رسالته في الدنيا هي التصالح والإصلاح والتسامح والإعمار.
ـ يؤمن بأنه لابد وأن يكون قدوة حسنة طيبة، مأمونًا في دينه وعقيدته، ورعًا تقيًّا نقيًّا مهذبًا نبيهًا مُهابًا في قومه، زاهدًا متواضعًا، ومطلعًا على عدد من الثقافات.
ـ يبتعد عن الفتوى بغير علم؛ لأن أمر الفتوى خطير، فلا يكفى لسلامة الفتوى مجرد حفظ النصوص والقذف بها فى وجوه الآخرين على أنها أدلة دامغة، إنما لا بد من معرفة الواقع والأبعاد والملابسات والظروف المختلفة والآثار المترتبة على هذه الفتوى، فالفتوى قبل وقوع الفعل، غير الفتوى بعد وقوع الفعل، والفتوى قبل وقوع البلاء غير الفتوى بعد وقوع البلاء.
ـ على اطلاع جيد بالديانتين اليهودية والمسيحية، وبالعقائد الدينية الأخرى ذات الأثر في المجتمعات المعاصرة، وعلى دراية بعلوم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا والأيديولوجيات والفلسفات السائدة، والواقع السياسي والاقتصادي في العالم المعاصر.
ـ يدرك معنى تنزيل النصوص الدينية والأحكام الشرعية إلى أرض الواقع وتحويلها إلى سلوكيات رشيدة ومنهج حياة، وضرورة تنظيم ورش عمل نافعة للبلاد والعباد في المساجد والمراكز والمنتديات مع الشباب والجماهير لدراسة شتى القضايا التي تمس المشكلات الحياتية.
ـ يأخذ طريقه إلى الأفئدة والقلوب بلباقة ورفق وحكمة، يُشرِّع أبواب الأمل على مصراعيها في وجوه الناس.. ويغلق أبواب اليأس والقنوط.
ـ يدرب الناس على التأمل في الكتابين، كتاب الله المسطور وكتابه المنظور.
وأورد الدكتور أحمد علي سليمان في ورقته التي جاءت تحت عنوان: "بناء الداعية الموسوعي.. علميا ومهاريا وتربويا وثقافيا"، عدد من المهارات الفنية التي ينبغي على الداعية الموسوعي الاحاطة بها، وهي:
ـ مهارات التواصل مع الآخرين، والعرض والتقديم، واستخدام لغة الجسد، والإعلام والاقناع والاستمالة، واستخدام التقنيات الحديثة، والتعامل مع الأنماط الصعبة، ومهارات التعاطي مع الطوارئ والأزمات، وفنون الذوق واللباقة والأناقة.
وقال: من حق الإنسان غير المسلم أن يصله قدر مناسب من المعرفة الصحيحة عن الإسلام، باعتباره الدين العالمي الخاتم، وحتى نكون قد أدينا واجبنا تجاه رسالتنا وتجاه الآخرين.
وأشار إلى أن الدعوة الخارجية تتطلب تكوين دعاة من نوع خاص... دعاة على مستوى رفيع من العلم والثقافة والخبرة والتطور ليكونوا مسايرين للتطور المتلاحق، ولديهم فهم ودراية بثقافات الشعوب وخصائصها، وأيضا لديهم وعي كبير بفقه الأقليات.
ومن خلال تجربته الدعوية في أوربا، أفاد الدكتور أحمد علي سليمان أن الإنسان الغربي ما يزال لديه من رصيد الفطرة ما يدفعه إلى تقبل الحقائق إذا عُرضت عليه بشكل عقلي منطقي وبطرق منهجية جديدة، كما أن مساحة الحرية المدنية تجعله يدافع عن الفكرة التي يؤمن بها.
وفي ختام ورقته، أهاب بوزارات الأوقاف والدعوة والإرشاد في الدول الإسلامية أن تُوحِّد جهودها وتعمل في نسق تكاملي للاستثمار الحقيقي في عالم الأئمة والدعاة؛ من أجل تكوين جيل من الدعاة المجددين الموسوعيين من أصحاب العقلية الجامعة.
وفي رسائل قصيرة وجهها للدعاة، قال د. سليمان:
ـ عليكم بالدعوة دوما إلى الاستخدام الرشيد لمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الإعلام الجديد، وعدم إضاعة الوقت أمامها، وتوظيفها في نشر العلم النافع والثقافة التي ترسخ الجانب الإيماني والاجتماعي، وجعلها ساحة لنشر دعوة الخير والمحبة والسلام في كل مكان.
ـ عليكم بالإسهام الحقيقي في تقوية الجهاز المناعي والحصانة الفكرية والسلوكية لشباب الأمة لمواجهة أساليب الاختراق وتحديات الإعلام الجديد، وتقوية ولائهم للدين والوطن.
ـ تيقنوا أن الإسلام هو دين الله العالمي الخاتم الذي بعث به رسولنا الكريم من أجل إصلاح النفس والكون والحياة في كل زمان وفي أي مكان وسيظل كذلك؛ لأنه محفوظ بحفظ الله عز وجل ومحروس بحراسته.
ـ أما المسلمون فهم ناس من الناس تجري عليهم السنن والقوانين، يتقدمون وينتصرون إذا أحسنوا العمل بالإسلام، ويتخلفون إذا تقاعسوا عن العمل بالإسلام.
ـ التحدي الكبير أمامنا هو الانتقال من المجتمع الاستهلاكي الذي يعتمد على غيره ويستهلك نتاج الآخرين إلى المجتمع المنتج المبدع الذي لا يكون عالة على الآخرين.