كلمة الأستاذ الدكتور مدحت عيسى مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية في حفل تكريم الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد باشا

نشر: الأحد 21 أبريل 2024م

أتقدم بخالص شكري وتقديري إلى مركز تحقيق التراث بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا على أنها احتضنت احتفالية تكريم العلامة أحمد فؤاد باشا بمناسبة اختياره شخصية العام التراثية في الوطن العربي، وهو الجدير بالتكريم والاحتفاء، ثم إنني أغبط إخوتي وزملائي المجتمعين الآن في الجامعة لأنهم يأتنسون الآن بصحبة هذا البدر المنير، في حين أبت الظروف إلا أن أراه عبر الشاشة.. وهو صاحب الأيادي البيضاء على كل طلابه وزملائه ومحبيه..

أتذكر حين رأيت العلامة أحمد فؤاد باشا للمرة الأولى صدقتُ ابن هانئ الأندلسي حين قال في إحدى قصائده:

كانت مُساءلَةُ الرُّكبانِ تُخبرُنَا

عن جعفر بن فلاحٍ أطيَبَ الخبرِ

ثمّ التقينا فلا واللّهِ ما سمعتْ

أُذني بأحسن مما قد رأى بصَري

ولستُ في صددِ تكريمه هادفًا للإطراء والتقريظ، بل إني أتوقف مليًّا عند مسارٍ فكريٍ نزيه، يحاول إبراز ما يجب توضيحه من مآثر وعطاءات تستحق تسليط الأضواء عليها بكل أمانة، خدمةً للحقيقة، ووصولاً إلى صورة مضيئة لرجلٍ عظيمٍ نَودّ أن يحفظها الأجيال من بعدنا.

لأحمد فؤاد باشا مشروع فكرى يحاول من خلاله إيجاد رؤية عربية كونية إيمانية لفلسفة العلم، وقد انطلقت مؤلفاته وفق منهجية إسلامية رشيدة تلتزم تعاليم الإسلام، وتمثل مقاصده وقيمه وغاياته، دون أن تعطل عمل العقل أو تعوق حرية البحث والتفكير.

يرى د. أحمد فؤاد باشا أنَّ ثمة محاور يمكن أن تمثل في مجموعها أساسا لصياغة إسلامية لنظرية في العلم والتقنية؛ أهمها: إبراز مكانة العلم في الإسلام، والتنبيه إلى عوامل البعث الحضاري المنشود، وتوكيد ضرورة الاتصال بين العلم والدين، والتأصيل الإسلامي للعلوم والتأسيس لمنهجية البحث العلمي وفق المنظور الإسلامي.

وقد أبدى رأيًا علميا بشأن دعوة البعض ضرورة فصل العلم عن الدين لقيام الحضارة حين قال: "إنه من الخطأ أن يسود الاعتقاد بأن الانفصال بين العلم والدين شرط من شروط قيام الحضارة، أو أن العلم بفروعه المختلفة لا يمكن إلا أن يكون (علمانيا). لقد أدى هذا الاعتقاد الخاطئ في بلاد المسلمين إلى حالة من الركود العلمي شُلّت في ظلها كل مقومات الإبداع والابتكار في مختلف مجالات النشاط الإنساني".

ومن قضاياه المحورية قضية عودة اللغة العربية لغةً للعلم، إذ يرى في إطار إيضاح غايته الإصلاحية من التعريب: "أن العودة بالعربية لتكون كما كانت، لغة عالمية التأثير، مرهونة بخوض تجربة مماثلة لتعريب العلوم المعاصرة، باعتباره إحدى ضرورات النهضة العلمية التي تنشدها أمتنا العربية والإسلامية لاستئناف مسيرتها الحضارية".

ويقول في موضع آخر: "ويشهد التراث العلم العربي - بغزارته كما وكيفا وتنوعًا - أن اللغة العربية قد فتحت صدرها لتراث الإنسانية، وانتشرت مع انتشار الإسلام بطريق المدنية والتنوير، لا بطريق الغزو والاستعمار، وكان في هذا دليل قوتها وأصالتها، وقدرتها على استيعاب مصطلحات التقدم المتجددة والمتزايدة، فأصبحت لغة عالمية تتسع للتعبير عن دقائق العلوم والتقنية".

وأختم بنص من نصوص أستاذنا لعلنا نجد فيه ما يهدينا إلى سبل الخروج من أزمتنا العلمية الحالية، يقول:

"لابد من التأكيد على أننا - معشر العرب والمسلمين - أصبحنا في أمسِّ الحاجة إلى مثل هذه المعالجة التحليلية لثنائية العلم/ التقنية، والإلمام الواعي بالخصائص المميزة لكل من عنصريها، باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، مرتبطين بمشكلات المجتمع - أي مجتمع - وقضاياه المصيرية، من حيث إنهما يؤديان دوراً أساسياً لا غنى عنه في تنمية المجتمعات المختلفة على جميع المستويات. هذا بالإضافة إلى أننا نهيب بصفوة العلماء والباحثين والمفكرين في عالمنا العربي والإسلامي أن يسهموا في بلورة «نظرية عامة متكاملة» في العلم والتقنية، تؤتي ثمارها عند التطبيق المتوازن في دفع حركة التقدم العلمي والتقني، ويظهر مردودها، عند وضع أي استراتيجية للإصلاح والتحديث والتطوير على أساس تنمية القدرات العلمية والتقنية، بتحقيق أعلى قدر ممكن من التنمية الشاملة، وخصوصاً في البلاد النامية التي تلهث دائماً وراء علم لا تنتجه، وتجد صعوبة بالغة في استيعاب تقنيات معقدة ومتجددة لا تستطيع ملاحقة أجيالها المتسارعة".

وأخيرًا فإن معهد المخطوطات العربية والجامعات المصرية والعربية ومراكز البحث العلمي، لم ولن تنسى عطاء العلامة أحمد فؤاد باشا الذي ستظل أخلاقه قبل  إسهامه العلمي دليل عمل برّاق ومنهج وسلوك مشرِّف لزملائه وطلابه.

 أشكر لكم حسن الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.