Print
الباحث عن الحقيقة.....
الباحث عن الحقيقة

الباحث عن الحقيقة

بقلم/ 

د. آمال محمد ربيع

مدرس بكلية التربية جامعة عين شمس قسم الفلسفة والاجتماع

نشر: الاثنين 9 مارس 2023م

أحياناً هناك من يقول إن الإنسان ابن بيئته؛ ابن الظروف المحيطة به؛ ابن أمه وأبيه؛ ابن بالوراثة، وكأن الإنسان منفعلاً وليس فاعلاً، تؤثر فيه الظروف والبيئة.

الإنسان ليس منفعلا بل هو فاعل، فإذا أراد الإنسان شيئاً تخطى كل العقبات وإذا صمم على شيء تجاوز كل المشكلات. فى رحلة الشاب الذكي الطموح الذي يعشق الحقيقة والصدق والوضوح ويضحي في سبيلها بالمال والأهل والروح، جريء مغامر، ترك أهله وبلده، وتنقل بين البلدان، وخدم كبار الأسر، باحثا عن الدين الحق، شاب ذى عقل راجح، وهمة عالية، وصبر دؤوب.

 عاش أول حياته في بيئة تعبد النار، وتحديدًا منطقة أصبهان في بلاد فارس وإيران.

كان أبوه كبير القرية ورئيسها وكان غنيا مهيبا، ذا عز وسلطان، وكان الأب يحب ابنه حبا عظيما، حتى أنه من شدة حبه خاف عليه وحبسه فى بيته كما تُحبس الجارية. فمن هذا الشاب المغامر الطموح الباحث عن الحقيقة؟

إنه الصحابى الجليل (سلمان الفارسى) رضى الله عنه وأرضاه

 فى قصة سلمان -رضى الله عنه- دروس وعبر كثيرة منها: أهمية الفطرة السليمة؛ فقد رزق الله سلمان فطرة سليمة، وحبب إليه الحق حتى آثره على كل شئ، فأبوه صاحب أموال وسيد قومه وكان يحبه حبا شديد ومع ذلك ضحى بكل ذلك من أجل الوصول للدين وللحقيقة.

ما هى الديانة التى كان يعتنقها سلمان وما الذى لفت نظره فى كنيسة النصارى، وما موقف والده حينما أثنى سلمان على دين النصارى؟

يقول سلمان: "اجتهدت في المجوسية، حتى غدوت قيّم النار". والذي يوقد النار يكون قد وصل لمرتبة دينية عالية في المجوسية.

"على غنى، على وجاهة، على حب". وهذه من العوامل التي يمكن أن تكون مثبطة للهدى والرشاد.

"حتى غدوت قيم النار التى كنا نعبدها، وأنيط بي أمر إضرامها، حتى لا تخبو ساعة فى ليل أو نهار، وكانت لأبى ضيعة عظيمة تدر علينا غلة كبيرة، وكان أبى يقوم عليها، ويجنى غلتها. وفى ذات مرة شغله عن الذهاب إلى القرية شاغل، فقال: يا بنى، إنى قد شغلت عن الضيعة بما ترى، فاذهب إليها وتول اليوم عنى شأنها فخرجت أقصد ضيعتنا، وفيما أنا فى بعض الطريق، مررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها، وهم يصلون، فلفت ذلك انتباهى، قال: فلما تأملتهم، أعجبتنى صلاتهم، ورغبت فى دينهم وقلت: والله هذا خير من الذي نحن فيه".

وهكذا، ما من إنسان -إلى حد ما فى الأعم الأغلب- يغدو مؤمنا صادقا، إلا وله طلب قديم منذ نعومة أظفاره يتمنى أن يكون، ويتمنى أن يكون طائعاً لله عز وجل، يبحث عن الحق بحثاً مستمرا، وعنده رغبة جامحة، وصدق فى طلب الحقيقة.

الإنسان منطقى، لكنه يحتاج إلى لحظة صدق مع نفسه، وهذا سيدنا نعيم بن مسعود جاء إلى المدينة ليحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أنه جاء مع الذين حاصروا النبي عشرين يوما في غزوة الأحزاب، لكنه فكر في إحدى الليالي تفكيرا صافيا، وخاطب نفسه قائلا: لماذا أنا مع هؤلاء؟ لنحارب هذا الرجل الصالح؟ علام يدعو؟ يدعو إلى عبادة الله خالق الأكوان، وأصحابه أناس طيبون، متصفون، عادلون، ونحن نحاربهم؟

فعلى كل إنسان أن يفكر؛ لماذا أفعل كذا؟ لماذا ينبغي الابتعاد عن هذا؟

ورد في الحديث الصحيح عن حذيفة، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:

(لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا لا تظلموا).

تأمل سلمان، وأدار فكره ثم قال: "فوالله ما تركتهم، حتى غربت الشمس، ولم أذهب إلى ضيعة أبي، ثم إني سألتهم، أين أصل لهذا الدين؟ قالوا: فى بلاد الشام، ولما أقبل الليل، عدت إلى بيتنا فإذا أبى يسألنى عما صنعت؟ فقلت: يا أبت، إننى مررت بأناس يصلون فى كنيسة لهم، فأعجبنى ما رأيت من دينهم، وما زلت عندهم حتى غربت الشمس، فذعر أبى مما صنعت وقال: أي بنى، ليس في ذلك الدين خير".

وهذا شأن من عطل عقله، يألف ما هو مقيم عليه، ويرفض كل جديد، والإنسان العاقل لا تنطبق عليه هذه الآية الكريمة: (قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون).

العاقل يقيم الأمور، ويتفحص، ويتأمل، ويزن بميزان العقل، وميزان المنطق، وميزان الفطرة.

بالمناسبة، من هو الجاهل؟ لعل أكثرنا يقول: الذي لا يعلم، وليس الأمر كذلك، فالذي لا يعلم يسمى أمي، أما الجاهل فقد يكون ممتلئا بالمعلومات وهو مع ذلك جاهل لأنها كلها معلومات خاطئة، ولذلك نعرف الجهل بأنه: هو عدم مطابقة الكلام للواقع.

قال والد سلمان: (دينك يا بن، ودين آبائك خير منه، قلت: كلا والله، إن دينهم لخير من ديننا، فخاف أبى مما أقول، وخشى أن ارتد عن دينى، وحبسنى بالبيت، ووضع قيدا في رجلي) لقد قيده بقيد الغنى، وقيد الوجاهة، وقيد التفوق فى المجوسية، وقيد المحبة، والقيد الخامس الذي قيده به هو قيد حديدي وضعه في رجله، خشية أن يرتد عن دينه.

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا