Print
قراءة في النشرة المحققة من كتاب لطائف المنن، لأحمد بن عطاء الله السكندري.....
قراءة في النشرة المحققة من كتاب لطائف المنن، لأحمد بن عطاء الله السكندري

قراءة في النشرة المحققة من كتاب لطائف المنن، لأحمد بن عطاء الله السكندري

بقلم/ عبد الرحمن هاشم

نشر: الأحد 11 فبراير 2024م

يتناول هذا المقال قراءة في النشرة المحققة حديثًا (1444هـ/2023م) من كتاب (لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس المرسي وشيخه أبي الحسن الشاذلي، تأليف الشيخ تاج الدين أحمد بن عطاء الله السكندري) [طبعة مركز تحقيق التراث العربي، جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، القاهرة 2023م] والتي تقع في مجلد واحد عدد صفحاته 412 صفحة.

حقق الكتاب وعلق عليه الأستاذ الدكتور أنس عطية الفقي، أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بالجامعة، ومدير مركز تحقيق التراث العربي.

أهمية الكتاب

والكتاب الذي نتحدث عنه، كتاب تراثي صوفي إسلامي فريد، يوضح ماهية الحقائق والأسرار العرفانية وعلاقتها بالاستقامة على طريق الله بما يقتضيه مقام الإحسان، والذي يسلكه طالب الحق بعد أن يتحقق بمقام الإسلام ثم مقام الإيمان.

وأوضح المحقق الأستاذ الدكتور أنس عطية الفقي في مقدمة التحقيق الأهمية المعتبرة لهذا الكتاب؛ إذ يمثل بداية التدوين المنهجي لأئمة المدرسة الشاذلية التي أسسها الإمام أبو الحسن الشاذلي (ت 656 هـ)، ووارثه الإمام أبو العباس المرسي (ت 686 هـ)، وهو التدوين الذي نهض به الإمام ابن عطاء السكندري (ت 709 هـ) فصنف هذا الكتاب الذي أهَّله الله تعالى ليكون من أهم الكتب الصوفية، وهذا ما يشعر به قارئ الكتاب عندما يتدبر كلماته الصادقة، ويتنسم نفحاته العابقة.

والأمر الذي يزيد الكتاب قيمة وعُلوَّا أن مؤلفه هو نفسه صاحب الحكم العطائية الشهيرة التي فاضت أنوارها، وأينعت ثمارها، وجاءت محملة بنسائم الصدق والمحبة والتحقق بآداب الطريق إلى الله عز وجل.

ابن عطاء الله السكندري

مؤلف الكتاب هو الإمام تاج الدين أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندري.

نشأ في بيت علم وفقه بمدينة الإسكندرية. فجده عبد الكريم بن عطاء الله كان فقيه الإسكندرية. سلك ابن عطاء الله في بداية حياته مسلك العلوم الشرعية حتى صار عالما فقيها، ثم يسر الله له سبب الاتصال بالشيخ أبي العباس المرسي، فسلك على يديه مسلك التصوف، وبرع فيه، حتى فاقت شهرته في التصوف شهرته في الفقه والعلوم الشرعية.

وبعد أن اتسعت شهرة ابن عطاء الله انتقل إلى القاهرة واستوطنها، يعظ الناس بالجامع الأزهر والمدرسة المنصورية فتتلمذ على يديه مجموعة من كبار العلماء أشهرهم تقي الدين السبكي.

ومن شيوخه في علم الحديث كما ظهر في هذا الكتاب، الحافظ الدمياطي، والحافظ الأبرقوهي، ومن شيوخه في الفقه العلامة ابن دقيق العيد.

وله غير هذا الكتاب، كتاب الحكم العطائية، وكتاب التنوير في إسقاط التدبير، وكتاب تاج العروس الحاوي على تهذيب النفوس.

شخصية ابن عطاء الله ومنزلته بين العلماء

جمع الإمام ابن عطاء الله في شخصيته بين الجانبين: العلم والتصوف، وهذا ما أظهره الكتاب، وظهر أيضا من خلال ما نقله عنه أصحاب التراجم من علماء الإسلام، كتاج الدين السبكي، والحافظ الذهبي، وابن حجر، والسيوطي، وغيرهم، إذ أشاد الجميع بفضله وسبقه وحسن سيرته، بالإضافة إلى ما يتسم به من لسان وعظ حكيم بليغ.

وأشار المحقق الأستاذ الدكتور أنس عطية الفقي إلى المصادر المتنوعة التي استقى منها ابن عطاء الله علومه الشرعية قبل أن يتصل بشيخه الإمام أبي العباس المرسي، فذكر شيوخه وتلامذته الذين أصبحوا بعد ذلك من كبار علماء الإسلام.

عصر ابن عطاء الله السكندري

العصر الذي عاش فيه الإمام ابن عطاء الله السكندري هو العصر المملوكي الأول، حيث ولد على أرجح الأقوال في منتصف القرن السابع الهجري وتوفي قبل انصرام العقد الأول من القرن الثامن (709ه).

إذن، فحياته بدأت مع بداية عصر المماليك الأول الذي يبدأ من (648 هـ) وينتهي (783 هـ)، والذي نقلت فيه عاصمة الخلافة الإسلامية إلى القاهرة بعد سقوط بغداد على أيدي التتار سنة (656 هـ)، أي السنة التي توفي فيها الإمام أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه.

وقد عاصر الإمام ابن عطاء الله الظاهر بيبرس والمنصور قلاوون والأشرف صلاح الدين خليل والسلطان حسام الدين لاجين، وله مع الأخير موقف مهم؛ حيث دار حوار بينهما في لقاء نادر يظهر حكمة ابن عطاء الله في موعظة الحاكم أو السلطان وفي الوقت نفسه يبين مدى احترام الحاكم للسادة الأولياء في ذلك العصر.

موضوعات الكتاب

بدأ ابن عطاء الله السكندري كتابه بمقدمة أقام فيها الدليل على أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أفضل الخلق كافة، وأن مدد الأولياء مستمد من جوهره النوراني الشريف.

ثم تكلم باستفاضة عن الولاية وأقسامها، والفرق بين النبوة والرسالة، والنبي والولي، وتكلم عن كرامات الأولياء، وكيف أن التصديق بها جزء من عقيدة المسلم، ثم بدأ أبواب الكتاب العشرة بباب خاص عن إمام المدرسة الشاذلية؛ الشيخ أبي الحسن الشاذلي شيخ شيخه.

أما بقية أبواب الكتاب فكانت للحديث عن مكانة شيخه أبي العباس المرسي ومقامه، وصفاته، وأخلاقه، وعلومه، ثم نماذج من تفسيره لآيات من الذكر الحكيم، ولبعض أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ولما أشكل من كلام القوم، ثم خصص بابًا لكلامه هو -رضي الله عنه- في الحقائق، وهو الباب الثامن، ثم تكلم عما قاله من الشعر أو رواه، أو قيل في حضرته، وأخيرًا تكلم عن أذكاره ودعائه وأحزابه وأحزاب شيخه أيضًا، ثم ختم الكتاب بخاتمة أكد فيها نسبته الروحية إلى شيخه أبي العباس المرسي وذيّلها بوصايا نفيسة من النثر والشعر.

ما تفرد به الكتاب

اشتمل هذا الكتاب على عبارات وإشارات ومواقف وحقائق، قلَّ أن يستوعبها كتاب آخر، بل إن فيه عبارات ومأثورات لم ترد في كتاب غيره، كما أن به أعلاما لم يرد لهم ذكرًا في كتب الطبقات المتداولة بين أهل العلم.

ومن أوجه التفرد في هذا الكتاب ذلك التفسير الإلهامي الإشاري لآيات بينات من كتاب الله تعالى، ولأحاديث شريفة قالها المعصوم صلى الله عليه وسلم، وما عقب به الإمام ابن عطاء الله على ذلك بأن التفسير الإلهامي أو الإشاري لا يصرف النص عن معناه الشرعي، بل إنه إضافة جديدة تضاف إلى عجائب القرآن الكريم.

ومما تفرد به الكتاب أن أزال الغموض عن بعض كلام أهل الحقائق وحمل كلام الأكابر من متقدمي الصوفية على المحامل الحسنة.

أما أعظم ما يميز الكتاب فهو التمازج الروحي بين الأئمة الثلاثة؛ الإمام ابن عطاء الله وشيخه الإمام أبي العباس المرسي وشيخه الإمام أبي الحسن الشاذلي، بما يؤكد الوراثة الصادقة وبما يجعل لسان المحبين واحدًا.

وأوضح المحقق أن الإمام ابن عطاء الله روى في هذا الكتاب حديثين بسنده المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما: حديث الشفاعة، وحديث الولاية؛ أما حديث الشفاعة فوصل بروايته إلى رجال صحيح مسلم، وأما حديث الولاية فوصل بروايته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير طريق البخاري.

وآثر المحقق في سند هذين الحديثين أن يعرّف بجميع رجال السند في الحاشية.

ومما تفردت به هذه النشرة التي حققها الأستاذ الدكتور أنس عطية الفقي تلك المقدمة الوافية الكاشفة عن الأوضاع الاجتماعية في عصر ابن عطاء الله وما امتازت به من توضيح للمصطلحات الصوفية وتخريج للأحاديث النبوية وتفسير للعبارات المأثورة بالإضافة إلى الكشافات التي أصبحت من لوازم عملية التحقيق.

وبعد، فالكتاب يُعد من أشهر مؤلفات ابن عطاء الله بعد الحكم العطائية، وقد حمل في طياته ما يعالج التناقضات الاجتماعية التي لاحظها المؤلف في عصره؛ هذه التناقضات التي لا تزال قائمة حتى اليوم، وربما بصورة أكثر ضراوة، الأمر الذي يجعلنا في حاجة لإعادة قراءته والعمل بتوجيهاته.

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا