Print
د. إبراهيم أبو محمد مفتي أستراليا: وصيتي للأقليات المسلمة أن يبتعدوا عن الجدل العقيم.....
د. إبراهيم أبو محمد مفتي أستراليا: وصيتي للأقليات المسلمة أن يبتعدوا عن الجدل العقيم

الدكتور إبراهيم أبو محمد ابن قرية بنوفر إحدى قرى مركز كفر الزيات بمحافظ الغربية.. رجل يتوق الكل إلى رؤيته وإلى روايته، إن رأيته استفدت، وإن تكلمت إليه انتفعت، وإن جالسته استزدت بفضل الله تعالى. حصل على الدكتوراه من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف في موضوع منهج الإسلام في تحقيق الأمن، وهو لم يحمل أوسمة حكومية لكن وسامه الأول خدمة الإسلام والمسلمين.
​طوف العالم شرقه وغربه داعياً إلى الله عز وجل حتى استقر به المقام في القارة الأسترالية مفتياً عاماً لها وظل فترة طويلة يدرس ويحاضر بمصر بلد العلم والعلماء.

شرف بعضوية العديد من المجالس الفقهية، وتصدى للغلو والخرافة والتكفير، مستهدياً سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقف بكل ورع وتقوى ملتزماً قضايا الأمة، طالباً من حكامها الميل إلى قيمة العدل في مواجهة الظلم بكل أشكاله وصوره.

أما منهجيته الرسالية وحركته الفقهية والعقائدية؛ فإنه انطلق فيها من القرآن الكريم الذي فهمه على أنه كتاب الحركة والحياة.

ومثل الدكتور إبراهيم أبو محمد مفتى القارة الأسترالية جدير أن نلتقي به وأن نحاوره، لنتعرف أكثر على شخصيته وفكره وتجربته الدعوية المنبثقة من ثقافته الأزهرية، وأن يتشعب بنا الحديث عن تجديد الخطاب الديني وكذلك امتداد تأثير الأزهر في القارة الأسترالية وطرق دعم منهجيته ورسالته وغير ذلك من قضايا نحسب أنها تهم القارىء في هذا الحوار:

 

ـ بداية نودّ أن نتعرّف على مكانة الأزهر في قلب وعقل ووجدان فضيلتكم؟

الأزهر هو بيتي وأسرتي وطفولتي وشبابي وحياتي كلها،  ففيه تعلمت، وفي مجالس شيوخه وبين أيديهم تفتحت عيناي على فهم كتاب ربي، وفيه وعن طريق علمائه أدركت قيمة منهج الإسلام رسالة ورسولا،  وفيه تعرفت على تاريخ أمتى وحضارتها ورجالها وأبطالها ومن صنعوا لها المجد، ومنه أخذت المعايير الحقيقية التى أقيس بها نبض الحياة وأعرف بها مقياس الصواب والخطأ ليس فقط على مستوى السلوك الفردي وإنما معيار الصواب والخطأ  الحضارى للأمم والمجتمعات الإنسانية، ذلكم هو الأزهر رأسا، ورمزا ومرجعية.

ولك أن تعرف أن يقيني يزداد بأن الأزهر لا يمثل القوة الناعمة بالنسبة لمصر وحدها، وإنما يمثل الرافد الحي والنهر المتدفق بالمعرفة الأصيلة لنا كمسلمين في أنحاء العالم المختلفة، والبعض من هذا المنطلق يتعامل مع الأزهر وشيوخه وعلمائه علي أنهم  وزن معرفي عظيم القيمة كبير القامة، وأنا لست من هذا الفريق بالمناسبة، لأن الأزهر في نظرى أكبر من ذلك.

الأزهر في نظرى ميزان ترجع إليه وتحيل عليه، وفرق بين أن تتحدث عن الوزن حجما ومقدارا  ومكانة،  وبين أن تتحدث عن الميزان الذى يحدد حجم الموزون وقيمته ومقداره، فالأزهر ليس وزنا معرفيا وإنما هو ميزان يزدان العقل بمعرفته، ويعتدل الفكر بالدراسة فيه والانتساب إليه، ويتحصن القلب فيه بالاعتقاد الصحيح، كما يصان به  الوجدان من التشوه العاطفي واختلال التوازن في  الحب والكراهية، وأنا أدرك ذلك جيدا  ولوتفضلت بقرأءة  كتاب واحد من كتبي لأدركت ذلك جيدا  ويمكنني أن أحيلك والسادة القراء الآن إلى كتابى " الشرق والغرب حوار لا مواجهة " ومن خلاله ستدرك  مكانة الأزهر  في نفس وعقل ووجدان من تربى في الأزهر وعاش في أروقته ودرس على أيدي شيوخه العمالقة الأطهار الأبرار، الذين حفظوا للدنيا أعلى وأغلي وأبقي وأخلد ما عرفته الدنيا من قيم حضارية وإنسانية.

ليس ذلك فقط، بل ستدرك كذلك ما يوضح  مكانة الأزهر ليس في استراليا وحدها، وإنما في كل بلد من بلدان الدنيا للأزهر فيها شجرة مثمرة وعمود دعوي رفيع القامة والقيمة والمقام. ولا غرو في ذلك، فالأزهر الشريف هو المصدر والمرجعية وبيت الخبرة الكبير الذى يرفد الجميع بعطاياه الفكرية ويقيم للثقافة والفكر والمعرفة ميزان العدالة والاستقامة ومن ثم فلن يستغني عنه المسلمون.

ـ حدثنا عن المسلمين في أستراليا، ونصائحك العامة التي تسديها لمسلمي المهجر؟

المسلمون في استراليا بخير والحمد لله،  صحيح أنهم يتعرضون لضغوط وحملات عنصرية وإعلامية مسعورة بسبب تفشي ظاهرة العنصرية من جديد وتشجيع انتشارها من بعض اليمين المتعصب،  ونلاحظ أن تمسك المسلمين بدينهم يستفز تلك العنصرية، فيثيرون في الإعلام قضايا تافهة كعزل النساء عن الرجال أثناء الصلوات، وغير ذلك مما لا يستحق الرد أو الاهتمام، وبرغم ذلك تبقي استراليا من أفضل الدول التى تحترم التعددية الثقافية والحضارية والدينية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أن الشعب الأسترالي شعب طيب ولم تعد تنطوى عليه الحيل الإعلامية الخادعة التى تعتمد التخويف من المسلمين وتشن عليهم حملات منتظمة تحاول بها أن توقف مسيرة الدعوة وامتدادها ومنع أنوار الحقيقة من الوصول إلى الناس، ونحن في المقابل نحرص علي بناء جسور للتفاهم وبناء علاقات محترمة تقوم على المحبة والاحترام المتبادل وندعو المسلمين أن يحولوا وجودهم في مجتمع المهجر إلى إضافة أخلاقية وحضارية وإنسانية،  ونوصيهم دائما أن يبتعدوا عن الجدل العقيم وأن يتركوا أعمالهم وإنجازاتهم وتفوقهم العلمي وأدائهم الحضاري المتميز ليدافع عنهم، ومن ثم فقد تعلمنا كيف نمتص موجات التعصب ونعرف كيف نأخذ حقوقنا ولا نفرط، لكنا نفضل أن نقابل الإساءة دفعا بالتى هي أحسن كما علمنا ديننا العظيم ونطبق ذلك في رسائل شديدة القوة شديدة العزة، وشديدة المنطقية، وكذلك شديدة الأدب.

ـ بعد زيارة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لآسيا وأوروبا وأفريقيا، هل نترقب دعوته لزيارة القارة الأسترالية؟  

تلك مسألة تحتاج إلى وقت وترتيب ذلك أن دعوة شخصية كبيرة في حجم ومكانة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لن نقبل أن يكون في استقباله إلا رئيس الوزراء والحاكم العام، وأرجو أن يكون ذلك قريبا إن شاء الله لتشرف أستراليا شعبا وحكومة بقدومه. 

ـ وهل نرقب لقاء قريبا مع شيخ الأزهر في القاهرة؟

بعد أن عرفت مكانة الأزهر في قلب وعقل محدثك ومحاورك، أريدك أن تعرف أيضا أن لقائي بشيخ الأزهر هو لقاء طالب علم بشيخه الأكبر وهذا شرف كبير لي، ويشرفني كذلك أن أول ما سأحرص عليه وأسعى إليه عند قدومي مصر هو زيارة شيخ الأزهر.

ـ هل من الوارد أن ترعى أو تتولى مكتب خريجي جامعة الأزهر إذا ما عرض هذا الأمر عليكم؟

في البدايات الأولى لنشأة رابطة خريجي الأزهر الشريف وخلال مؤتمرين اثنين كنت عضوا في اللجنة التنفيذية بجانب كونى ممثلا لأستراليا والأمريكتين في الرابطة، وتشرفت بعضوية لجنة وضع دستور الرابطة بصحبة ورفقة أستاذنا الدكتورأحمد الطيب عندما كان رئيساً لجامعة الأزهر وفضلاء آخرين من أساتذة كبار، وكان المستشار والمرجع القانونى لنا في ذلك الوقت هو المرحوم العلامة الفقيه الدستورى الأستاذ الدكتور صوفي أبو طالب رحمة الله عليه، وقد كان شديد الحساسية في اختيار المفردات والألفاظ، وعندما كنا  نصيغ بعض البنود والفقرات وبخاصة عندما كان يذهب الدكتور صوفي لبعض الوقت ولو إلي دورة المياه كان بعض الأعضاء يتعجل الإنتهاء من صياغة البند قبل عودة الدكتور صوفي، وفي جو من الأنس العلمي الراقي ضحكنا معا، وقد شاهدت ورأيت كثيرا من اللطائف والتعليقات والقفشات الجميلة من بعض الشخصيات الكبيرة بهذا الشأن، ومن ثم فليس تمثيل الأزهر بجديد عليَّ، بل حينما أذهب أجد تمثيل الأزهر لازمة من لوازم حضوري حتى أصبحت "وبكل تواضع من يعرف قدر نفسه "  أعرَّف بأني العالم الأزهري،  وأنا فخور بهذه النسبة طبعا، وأؤكد لك أننى الآن ومن موقعى كمفتي لأستراليا في خدمة الأزهر، وسأكون في خدمته دائما يستوى في ذلك أن يطلب منى الأزهر، أو أن أفعله من تلقاء نفسي. 

ـ  لكن ما حقيقة أزمة طائفة "الأحباش" في أستراليا ومحاولة إقحام اسم الأزهر؟

في الشطر الأول من السؤال نؤكد أننا هنا في أستراليا نعيش في مجتمع حر ومفتوح، وبعيدا عن إشكالية التحيز والتعصب المذهبي، وبعيدا أيضا عن الرتوش وميكياج الخداع الدينى وميكاب الدعوة التى يتهارش في ميدانها طلاب الرياسة وعشاق الظهور ومن يأكلون على كل مائدة، وينوحون في كل مأتم، ويرقصون في كل فرح، بعيدا عن كل ذلك أفضِّل أن تعرف أنت الإجابة بنفسك عن طريق البحث الموثق ومن العلماء الثقاة ويمكنك الرجوع إلى ما أصدره الأزهر الشريف من بيانات بشأن من تسأل عنهم حتى تتكون لديك الصورة الحقيقية عن هذه الطائفة. 

أما الشطر الثاني من السؤال فإني أحيل الإجابة فيه للأزهر ذاته فقد تم التفاوض مع بعض المسؤلين فيه بهذا الشأن، ولست متابعا ولا مهتما ومن ثم فلا ندرى ما حدث بالضبط بعدما انكشف الخداع.

ـ تُرى ما علاقة ذلك بمن ظهر في وسائل الإعلام قبل سنتين مدعياً كونه مفتياً لأستراليا وتواصل بهذا التحايل مع الأزهر؟

نعم للأسف الشديد، فقد سمح البعض لنفسه أن يأتي إلى مصر مرتدياً زي الأزهر وعمامته وقدمته الفضائيات على أنه إمام مسجد سدني، علما بأن هذا الشخص لم يعتل المنبر يوما بل نشك أصلا أنه يرتاد المساجد، ومع ذلك جاء إلي مصر مرتديا زي الأزهر وعمامته فأباح الخمر وأنكر الحجاب فرفعته تلك الفضائية في لقاءات أخرى وارتقت به حتى قدمته على أنه مفتى استراليا، فطور هو الآخر نفسه في الاستجابة ورد الجميل وتطوع  فأفتى على ذات الفضائية بأن الحج إلى طور سيناء أفضل من الذهاب إلى مكة،  وطالب الناس أن تذهب لتحج  إلى طور سيناء بدلاً من الحج إلى مكة.. هذه واقعة.

وواقعة أخرى حين جاء آخر إلى أرض الكنانة في مؤتمر إسلامي مرتديا زي الأزهر وعمامته وقدمته قنوات فضائية أيضا على أنه مفتى أستراليا، وهو ليس كذلك.

من هذه الوقائع  يدرك كل عاقل أن الدعوة سوق كبير فيها الصادق الصدوق وفيها البائع والتاجر والسمسار، وبين هؤلاء جميعا تحدث حالات من النصب الثقافي والدعوي يستغل فيها زي الأزهر وعمامته ممن لم يدخلوه أبدا ولم يعرفوا له بابا،  ولم يجلسوا إلى شيوخه يوما ولو مرة، وفي هذا الجو المعبأ بجراثيم الغش والوضاعة الثقافية يتواطأ النصاب مع من لا يؤتمن على دين ولا وطن،  بقصد التدخل في شؤون الجالية ونزع القيادة منها وفرض جهات مشبوهة كقيادة دينية بديلة، عن القيادة الشرعية الحقيقية التى لا تروق له ولا تعيره اهتماما وكانت الخطة الخادعة أن تأتي إلى استراليا قيادة كبيرة من الأزهر في محاولة لإضفاء المشروعية على من لا صفة لهم، فجاء الضيف الكبير وضربوا حوله طوقا حتى لا يعرف الحقيقة ولا يتصل إلا بمن معهم،  وكاد مجلس الأئمة والعلماء ـ والذى يضم أكثر من ٣٠٠ عالم وإمام وهو أعلى جهة علمية ودينية رسمية ـ تعترف بها الدولة وتتحدث باسم المسلمين وترعى شؤونهم ـ كما أنه هو من يضع الضوابط والشروط لاختيار شخصية المفتى الذي يتم انتخابه، كاد هذا المجلس أن يصدر بيانا باللغتين العربية والإنجليزية يفضح ذلك، غير أنى رفضت ذلك بشدة وقلت للزملاء في مجلس الأئمة والعلماء إن الأزهر ليس طرفاً في الموضوع أيها السادة، ولا يجوز مهما كان أن نعرض عنه أو نعرِّضَ به.

ـ ما رؤية فضيلتكم لقضية تجديد الخطاب الديني التي تثار بين الحين والحين ليس في جميع دول العالم لكن في منطقتنا العربية فقط؟

أولا: لست بصدد تحديد المقصود بالخطاب الديني وتحرير معناه، وهل المقصود به الخطاب الدعوى حين نتحرى الدقة أم أن من طرحوا المصطلح مصرون على تجديد الخطاب الديني؟ هذا سؤال على من يطرحون قضية تجديد الخطاب أن يجيبوا عليه، وأن يحددوا الوصف حتي يتحدد المعنى وهل هو خطاب ديني أم خطاب دعوي حتى يمكن المعالجة العلمية بشكل صحيح، هذا أولا.

ثانيا: أعلم أن هناك دعاة يعيشون على الدعوة ولا يعيشون لها ويحملهم الإسلام ولا يحملونه وإذا تحدثوا أساءوا، وإذا شرحوا خلطوا ولبسوا، ولو كان الأمر بيدى لفرضت لهم رواتب  ليسكتوا، أو لنقلتهم إلى مؤسسات لصيد الأسماك أو لمؤسسات تشرف على تصريف المجارى وتعبيد الطرق وشق القنوات، أدعو الله أن يخلص الإسلام منهم وأن يكف دينه شر غبائهم. 

ثالثا : مع تحفظى على مصطلح "الخطاب الديني" لأنه مصطلح فضفاض، فدعنا نتفق على أنه لا مشاحة في المصطلحات ـ خطاب ديني.. خطاب ديني-  لا بأس كما يقول الأصوليون، دعنا من ذلك ولننظر في السياق التاريخي والظرف الاجتماعي الذي يطرح فيه المصطلح وسنجد أن ذات المصطلح تتشابك فيه وحوله تيارات ثلاثة:

أحدها يريد أن يلعب بالدين فيأخذه لنفسه وينصب من نفسه وصيا عليه ووليا لأمره، والثاني يريد أن يلعب في الدين ذاته فيؤمنه لصالحه ويؤممه لنفسه ويجعل من الدعوة إليه دعوة لنظامه وسندا لمنظومته، ويغلف تلك الأهواء كلها بغلاف تطوير الخطاب الديني،  أو تجديد الخطاب الديني وثالث صادق في نواياه يريد أن ينقي تراثنا مما علق به ويريد أيضا أن يفرق بين ما هو وحي مقدس وبين ما هو تراث وظاهرة تاريخية تخضع لنسبية الزمان والمكان، ومن ثم يكون السؤال حولها هل النظر فيها والنظر إليها ملزم لنا؟ أم هو مجرد خيار من الخيارات نأخذ منه ونرد؟ وسط هذا التشابك يطرح مصطلح تجديد الخطاب الديني، وضمن هذا الوسط المعبأ بالاستغلال والاستغفال وصدق النوايا يكون من الظلم أن يتحمل الخطاب "الديني" بين قوسين وحده فشل أنواع من الخطابات كلها تترنح أمامنا وفي المقدمة منها الخطاب السياسي والخطاب الاقتصادي والخطاب الاجتماعي وحتى الخطاب العلمي في الجامعات والمدارس والخطاب الأدبي في القصة والرواية والدراما والخطاب الإعلامي بشقيه الصحفي في التحليل أو المصداقية في نقل الخبر، أو في برامج الفضائيات وهي تدمر العقل الجمعي بكم من الخرافة والكذب لا نظير له في كل مراحل التاريخ، ولعلك شاهدت من يتحدث عن حماية مصر بالرياح الشمالية الغربية، ولعلك شاهدت أيضا  الخبير الذى خرج على الفضائيات  ليطمئن شعب مصر الحريص على نيله وشربة مائه بأن لا يقلق فسد النهضة سينهار وحده وسيغرق أثيوبيا والسودان وسيصل الماء إلينا بلا جهد حلالا زلالا نشرب منه ونسقي أرضنا وزرعنا ونعوم فيه!!

عندما تتحدث هنا عن "تجديد"، فأنت بحاجة إلي تحديد مناطق الداء والعلة قبل أن تلق بتلك الكوارث على جهة من الجهات، وإذا اتفقنا كما قلنا من قبل على أنه لا مشاحة في المصطلحات ـ خطاب ديني.. خطاب ديني-  لا بأس، لكن الخطاب الديني ليس وحده هو من يحتاج إلى تجديد،  فلديك في الخطاب الاقتصادي حالة من الشلل ماذا ستفعل فيها؟

 وكيف تجدد خطابها للشعب بفقرائه وأغنيائه،  كيف تجدد خطابك الاقتصادي بين العاطلين وأصحاب العشوائيات الذين يعيشون بين البؤس واليأس، وبين من يتمرغون في الثراء والثروة دون أن يعرف أحد من أين هبطت عليهم أو هطلت بها أمطار الثراء وفي أي وقت؟ وفي مجال التعليم كيف تطور خطابك العلمي وسط أجهزة مهترئة لا تستطيع أن تحمي سرية إمتحانات الطلاب ؟ وكيف يسمح في بعض المناطق بلجان خاصة لأبناء السادة؟ وهكذا.. 

وفي المجال الأدبي؛ مجال القصة والرواية والدراما والمسرح والسينما حاول أن تبحث عن المؤلفات التي طبعتها وزارة الثقافة بأموال الشعب للشعب، وانظر فيها هل ستجد منها ما يساعد علي صياغة عقل نظيف مبدع أم أنك ستجدها تهدم ما تبقي للناس من بقايا عقل وقيم؟ ماذا تقدم هذه المنظومة للناس وكيف تعيد بنائها لتكون في صالح الشعب فعلا وليست تكية مفتوحة بلا أبواب أونوافذ؟

أعني مما سبق أنه ضمن هذا السياق يكون الخطاب الدينى أو الخطاب الدعوى ـ  سمه ما شئت ـ هو مجرد إفراز لحالة مجتمع تعكس ما فيه من مثالب وتعجز عن رتق الفتوق ومعالجة المشكلات فتهرب بهمهمة سحرية تسقط وعي اليقظة وتسرح بالناس في غيبوبة تختلط فيها رؤيا الماضى بأحلام الأبد،  فيضيع حاضرها بين قصور الواقع وطموحات المنى.

من هنا، فإن إصرار البعض على المزايدة في قضية تجديد الخطاب الديني بمصادرة عقول كل الأئمة والخطباء وفرض خطبة واحدة عليهم ليس تجديداً بحال من الأحوال، إنه تبديد لا تجديد، وهدر لعقول وطاقات يمكن أن تصيغ وأن تغير، لكن بهذا الأسلوب يتم تغييبها وفي نمط ممجوج تفرض احتقارها وانصراف الناس عنها. 

ـ وفي الختام حدثنا عن الجديد الذي تنوون القيام به؟

الآن ورغم ضيق الوقت وأعباء المسؤولية أحاول أن أجد وقتا للنظر في كتاب الله، وقد بدأت في حلقات تتناول تحليلا للنص الكريم، أنهيت منها ما يقرب من ستين حلقة مدة كل واحدة منها ساعة كاملة، لكنها تحتاج إلي مراجعات لأننا لا نتعامل مع كتاب عادي نحن نتعامل مع كلام الله، والكلام صفة المتكلم، والمتكلم هنا هو الله وقد وجبت له كل صفات الكمال اللامتناهي وكل صفات الجلال اللامتناهي وكل صفات الجمال اللامتناهي،  فأين يكون موقعنا كبشر من هذه الأوصاف وماذا سنقول أو نكتب مهما أوتينا من علم أو عمر، القضية كبيرة جدا ولا يمكن الدخول إليها والحديث عنها بغير إذن صاحبها ومن ثم فنحن في انتظار الإذن والعون والتوفيق وبالطبع انتظار ذلك عبادة ونرجوكم الدعاء بأن يتم الله علينا  شرف ونعمة الخدمة في ديوان كتابه الكريم. 

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا