Print
أسعد الخلق وسيد المرسلين.....
أسعد الخلق وسيد المرسلين

د. محمد رضا عوض

الأستاذ بجامعة الأزهر

«وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».. بهذه الآية الكريمة وصف رب العالمين محمدا صلى الله عليه وسلم والذى ولد فى فجر يوم الاثنين الموافق الثانى عشر من ربيع الأول والثانى والعشرين من شهر ابريل عام 570 ميلادية، فى عام الفيل، وهو العام الذى حاول أبرهة الأشرم غزو مكة وهدم الكعبة، ويقول صلى الله عليه وسلم عن نسبه إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام: «إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من بنى كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم».
كان صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام يرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية التى كانت منتشرة فى مكة فلقد صانه الله وحماه منذ صغره، وطهره من دنس الجاهلية ومن كل عيب، ومنحه كل خُلقٍ جميل، حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالصادق الأمين ولقد أحسنت السيدة خديجة فى وصفه عندما نزل عليه الوحى لأول مرة فعندما قال لها لقد خشيت على نفسى واخبرها الخبر فقالت له (والله لايخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدى الأمانة وتحمل الكل وتكرم الضيف وتعين على نوائب الدهر).
كُلّف صلى الله عليه وسلم  بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، أمر بالدعوة سرًا لثلاث سنوات، قضى بعدهنّ عشر سنوات أُخَرى فى مكة مجاهرًا بدعوة أهلها، وقد أدى أمانة ربه أفضل ما يكون الأداء فعندما قال له عمه أبوطالب  (أكفف عن قومك ما يكرهون من قولك» طالبا منه أن يوقف دعوته لأهل مكة،. فقال محمد كلمته المشهورة «يا عمّ، لو وُضعت الشمس فى يميني، والقمر فى يسارى، ما تركتُ هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فى طلبه». ثم حاولت قريش مرات كثيرة بعرض المال عليه والزعامة، لكن محمدًا كان يرفض فى كل مرة.
وفى السنة العاشرة للبعثة، حزن النبى محمد صلى الله عليه وسلم على فقدان عمه أبوطالب وزوجته خديجة وأوذى إيذاء شديدا فى الطائف حتى سمّى ذلك العام بـعام الحزن. وبعد رحلة الطائف حدثت للنبى محمد رحلة الإسراء والمعراج فقيل أنها كانت ليلة 27 رجب بعد البعثة بعشر سنين، فنزل فى المسجد الأقصى، وصلّى بجميع الأنبياء إمامًا، ثم عُرج به إلى فوق سبع سماوات وانتهى إلى سدرة المنتهى ورأى الجنة والنار. وفُرضت عليه الصلوات الخمسة.
 ثم هاجر إلى المدينة، فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول، سنة 1 هجرية، وعمره يومئذ 53 سنة وعندما دخل المدينة مهاجرا من مكة قال فى أول خطبة له، «يا أيّها الناس، أفشوا السّلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلّوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام». داعيا الناس إلى نشر الرحمة بينهم، و نظّم محمد صلى الله عليه وسلم العلاقات بين سكان المدينة المنورة، وكتب فى ذلك كتابًا اصطلح عليه باسم دستور المدينة أو الصحيفة، واستهدف هذا الكتاب توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود، وتحديد الحقوق والواجبات،كما نص على تحالف القبائل المختلفة فى حال حدوث هجوم على المدينة. وعاهد فيها اليهود وأقرّهم على دينهم وأموالهم. وقد احتوت الوثيقة 52 بندًا، 25 منها خاصة بأمور المسلمين و27 مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولا سيما اليهود وعبدة الأوثان. ، فعاش فيها عشر سنين أُخرى داعيًا إلى الإسلام والمعجزة التى  تحدّى بها الناس هى القرآن.
أسس صلى الله عليه وسلم بالجزيرة العربية نواة الحضارة الإسلامية، ووحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية ولنشر الرحمة بين الناس فقد كانت شبه الجزيرة العربية  مفككة، لا توحّدها دولة ولا تديرها حكومة فكانت القبيلة هى الوحدة السياسية والاجتماعية وفى حالة نزاع دائم بينهم البعض، ومن النّاحية الدينية كانت الوثنية تسود شبه جزيرة العرب بشكل غالب ومع ذلك بقى لديهم شعائر من بقايا دين إبراهيم مثل تعظيم الكعبة، والطواف بها، والحج.
وكان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأعف الناس وأكثرهم تواضعاً يقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة ولا يأكلها، ولا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه. يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى، ويمشى فى الجنائز، وغزا وقاتل هو وأصحابه، فكان عدد غزواته التى خرج فيها بنفسه 27 غزوة، قاتل فى 9 منها بنفسه، وفى تلك الغزوات كلّها لم يقتل محمدٌ بيده قطّ أحدًا إلا أبى بن خلف وقال «إغزوا باسم الله فى سبيل الله، إغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدًا». وعند فتح مكة خاطب قريشًا فقال « يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل بكم؟» قالوا «خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم»، فقال «فإنى أقول كما قال أخى يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطُلَقَاء».
وكان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعاً، وأكرمهم عشرة، قال تعالى: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ} [القلم:4]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا أول الناس يشفع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة». وكان  محمدٌ يقول «أنا دعوة إبراهيم، وكان آخر من بشّر بى عيسى ابن مريم». ، قال أيضا «أنا رسولُ من أدركتُ حيًا، ومن يولد بعدى»، أى بُعث للناس كافة.
تُوفى صلى الله عليه وسلم وهو يقول «بل الرفيق الأعلى من الجنة»، وكان ذلك ضحى يوم الاثنين ربيع الأول سنة 11 هـ، وقد تّم له 63عامًا.
قال عنه المؤرّخ الأسكتلندى وليم موير «امتاز محمد بوضوح كلامه، ويسر دينه، وأنه أتم من الأعمال ما أدهش الألباب، لم يشهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس، وأحيا الأخلاق الحسنة، ورفع شأن الفضيلة فى زمن قصير كما فعل محمد.
اعتبره الكاتب الأمريكى الشهير مايكل هارت وهو عالم فلكى رياضى يعمل بهيئة الفضاء الأمريكية فى كتابه الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم، أعظم الشخصيّات أثرًا فى تاريخ الإنسانية كلّها باعتباره «الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الدينى والدنيوى».. فهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائِداً سياسياً وعسكرياً ودينياً . وبعد 14 قرناً من وفاته، فإن أثر محمد صلى الله عليه وسلم ما يزال مُتجدِّداً.
هذه مقتطفات قليلة من سيره أسعد الخلق وخاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ، الماحى الذى يمحو الله به الكفر، الحاشر الذى يحشر الناس على قدميه، العاقب الذى ليس بعده أحد، ، نبى التوبة، نبى الرحمة.

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا