Print
القصة الشاعرة والمقاومة بالأدب.....
القصة الشاعرة والمقاومة بالأدب

 

القصة الشاعرة والمقاومة بالأدب

محمد الشحات محمد

 

   للمبدع والكاتب الحقيقي سلطة فعلية تمكنه من التأثير في المجتمع للحفاظ على الهوية واحترامها، وإذا كانت التحولات التاريخية والمجتمعية تكاد تعصف بكل المدارس الحداثية وما بعدها، فإنه لا بد من القراءة الواعية لتلك التحولات، وأثرها على التراكيب والصور والأشكال الإبداعية، وخصوصًا إن كانت تبدو غريبة ومتنافرة،

   التطبيق أولى من التنظير، ولن يكون ذلك بالرفض الاستباقي، أو ما يذهبُ إليه بعض النقاد من "العدمية" و"الاستلاب"؛ فالنقد لم يكن يومًا حكما نهائيا وباتا، وإلا ما وجدنا فنونا كتابية راسخة اليوم، وقد كانت من قبل "معضلة" أمام النقاد، أو كان النقاد عقبة أمامها.

    النقد ذاته متجدد، أو هكذا يجب أن يكون، بعيدًا عن الأحادية و"التابوهات"؛ فالقراءة الجيدة تقوم على الموسوعية/الشبكية، التي تفرضها مستحدثات العصر، بما تحمل من علاقات وتشابكات (انفصال/اتصال) معقدة وسريعة، بقدر الاكتشافات والابتكارات والاختراعات والحروب المتنوعة، وليس من المعقول أن يفهم بعضهم التجديد باعتباره عودة للمعلقات مثلا، إنما عالمية الخطاب الثقافي، والقيمة المضافة، وليس الأمرُ وجاهةً، أو مشاعًا، ولا يعتمد على الخبرة المباشرة التي لا تمثل علما بجوهر الشيء، خصوصًا إذا كان هذا الشيء جديدًا، يدفع إلى أبحاث تشمل -مع التنظير- قراءات تطبيقية للنصوص، وتحليل جوانبها المتعددة (لغوية وأسلوبية وبلاغية ونفسية، ..)، قراءات بعيدة عن الشروح وسطحية الراحة، بل التأويل والتحليل والمرجعيات الثقافية. 

    طبيعيٌّ أن كل جديد مُحارب حتى يصبح قديمًا، أو طبيعيٌّ ألا يستوعبَ القائمُ الجديدَ في أوّلِ الأمر، مهما كانت جدّية ذلك الجديد، وحتمية وجوده، مواكبةً للعصر ومقتضياته،

    والقصة الشاعرة جنس أدبي جديد، أو تصميم/وعاء أدبي يواكب متغيرات العصر ومتطلباته؛ له مفهومه المُستمد من نصوصه، والتي تفرض –ولو كأي ظاهرة على الأقل- البحث في الخصائص الجمالية المميزة، والفروق والمشابهات بين هذا الفن وغيره في ضوء نظرية الأدب وقوانين الأجناسية ..

   نعم، هناك بواكير وإرهاصات، لكن الفارق كبير بين الجذور وما على السطح ، تمامًا كالفارق بين التّقولُب والحياة!

   إن المبادرة الفردية تسمو بالعمل الجماعي، وكم نتعلم من أساتذة لا يكتبون، إنما يغرسون دعاء القلم..، وليس من المعقول غضّ الطرف عن دور الشبكة العنكبوتية في الانتشار والتعلم وتبادل الثقافات والتطور، بينما يكون التركيز على افتعال المعارك والتشهير والبطولات الزائفة، وكذلك بعض الكتّاب العرب، الذين لم يستفيدوا بجهود السابقين، وفرطوا فيها، حتى أخذ منها الغرب أجزاء متناثرة، وقام بتفعيلها وتطويرها، فإذا نفر يهلّل، وآخر يهاجم، دون إضافة تُذكر، وكأن النقل مقدّس!

   للغة العربية وسائلها، ولم يمنع ذلك من الاستفادة بعلامات الترقيم غير العربية مثلا، بل وتطويرها كتابةً وتوظيفًا، ولا بأس؛ فقدِ استفاد الغرب من تداخل الأجناس في كتب عربية، منها: "العمدة"، "منهج البلغاء" و "طبقات فحول الشعراء"،  أو" الشعر والشعراء"، وهكذا أحسب أن ابن رشيق وابن سلام وحازم وابن قتيبة، ومن قبلهم عبد القاهر الجرجاني، أحسبهم أنهم إذا كانوا في زمننا هذا، لكانت لهم مدوّنات وصفحات تحتفي بالقصة الشاعرة، دفقةً إيقاعية سردية مغايرة، متعددة الأفكار والإحالات والمفارقات، والرموز والفضاءات، بإشارات وشفرات سريعة، تكسر الأفق، وتخترق الجمود.

   وللقصة الشاعرة خصائصها وموائزها؛ أو قوانينها الجديدة، ومحدّداتها التجنيسية التي تستلهم التطورات، وتتجاوز الحداثة وما بعدها؛ فهي كينونة/شبكية جمالية خاصة، تخرج عن الأشكال السابقة عليها، وإن تعالقت "الشاعرة" مع غيرها من الأجناس في بعض السمات، فهي تختلف عن الأجناس بخصائص  أخرى جوهرية، وتلتزم بها، ومن البدهي أن اجتماع السمات في كل نص من نصوص القصة الشاعرة، والزيادة عليها، بما يميزها، يسوّغ لها أن تكون جنسًا أدبيًّا جديدًا، يقف جنبًا إلى جنب مع الأجناس الأدبية الأخرى، ومثلا تتميز القصة الشاعرة بتدويرها البنائي (عروضي، قصصي، تناسبي، ..)، ولها معاييرها كالتكثيف والرمز، والحذف والفجوات النصية، مع اللازمكانية، وتوجيه/توظيف التشكيل الإعرابي وعلامات الترقيم، والفضاءات البصرية، بل إن القصة الشاعرة تفرض وظائف جديدة لما سبق، لتوصيفها، وتتحول فيها أدوات الأجناس الأخرى إلى تقنيات، فمثلا تكون التفعيلة ضرورة سردية في بناء نص القصة الشاعرة، وبالتالي، فإن هناك ما أطلقنا عليه "التدوير القصصي"، وهو تقنية سردية تعمل على سيادة السرد على التفاعيل، وتجعل من البناء كلا ممتزجا لا انفصال فيه، وتجعل من التدوير الشعري آلية سردية لازمة لهذا البناء، مما يجعل القص متبطنا النص من أوله إلى آخره.

   وقد تكون تفعيلة القصة الشاعرة تفعيلة واحدة، كما في البحور المتجانسة، أو تكون تفعيلتين أو أكثر، كما في البحور المركبة، وفي كل الأحوال، يتم الالتزام بالإيقاع المدوّر، وما تتطلبه القصة الشاعرة من تمكن، وتقنيات جديدة في البناء الفني؛ تحقيقا لغايات وقيم وأهداف مختلفة.

   يمكننا أن نستخلص أن "القصة الشاعرة" فن أدبيّ جديد، له قيمه الجمالية والفنية المنظّمه له، وله منظوماته المنفتحة على كافة الأشكال، ويتمايز، وليست ترفًا، وأحسب أن على المتلقي مُعاينة النصوص؛ ففي القصة الشاعرة نقاوم بالأدب، مواكبةً للعصر واستشرافًا للمستقبل.

 

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا