Print
كن عادلا.. مقال للأستاذ عبد الرحمن علي البنفلاح.....
كن عادلا.. مقال للأستاذ عبد الرحمن علي البنفلاح

عبد الرحمن علي النفلاح

الإيمان بالعدل والعمل به قد يكون أمره صعبا، بل قد يكون بالغ الصعوبة، لأن من طبع الإنسان وأنانيته أن ينشد العدل إذا كان في صالحه وفي مصلحته، ويرفضه حين يكون في صالح غيره من الناس، وليس سهلاً أن يكون الإنسان عادلاً لغيره. كما يحرص على أن يكون الآخرون عادلين له ومعه، لهذا جاء القرآن العظيم ليرسي مبادئ العدل، ويحض الناس عليها. ومن هنا اختص الله تعالى الأمة الإسلامية بصفة امتازت بها على غيرها من الأمم، فقال سبحانه: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً» (البقرة 143).

والوسطية صفة ملازمة لصفة العدل، وهي محققة لا محالة للعدل، فالأمة الوسط هي الأمة التي لا تنحاز إلى فريق ضد آخر، فلا تحابي من تحبهم، ولا تظلم من تكرههم. لهذا استحقت عن جدارة أن تكون أمة شهيدة بين الخصوم بغض النظر عن مللهم ونحلهم، وقربهم وبعدهم عنها، وسوف يستعين بها أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام يوم القيامة ليشهدوا لهم بأنهم قد بلغوا أقوامهم برسالات السماء، وأنهم تلوا عليهم ما نزل من الكتب، وبشروهم وأنذروهم. إذاً فالأمة الإسلامية أمة أفرادها عدول سوف يشهدون بالحق وبه يعدلون. 

والعدل مبدأ إسلامي عظيم يحتاج إليه الناس في معاملاتهم، فتصان به الحقوق، وهو أمانة في أعناق المسلمين سوف يسألون عنها يوم القيامة حفظوا أم ضيعوا. ولا يكون الإنسان وبالأخص المسلم عادلاً حتى ينصف الناس من نفسه، وكما يحب أن ينصفه الناس، ويعدلون في حكمهم عليه، فعليه أيضاً أن يكون كذلك معهم. يقول سبحانه وتعالى: «إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتهم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً» (النساء 58).

لقد استقامت دولة الإسلام في عهدها الزاهر، عهد الخلافة الراشدة, حين أرست قواعد العدل والمساواة في المجتمع المسلم ليس فيما بين المسلمين أنفسهم بل وحتى بين المسلمين وغيرهم من الملل الأخرى، ولم يقتصر هذا على أهل الكتاب من مواطني الدولة الإسلامية الراشدة بل اتسع ليشمل أصحاب الملل التي لم ينزل لها كتاب سماوي، فقد نصت صحيفة المدينة التي وضع نصوصها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي أول دستور للدولة الإسلامية, نصت هذه الصحيفة في أحد بنودها فيما يخص أهل الملل غير السماوية بأن يستن فيهم المسلمون سنة أهل الكتاب، وبهذا أرسى الإسلام في أول دولة أسسها مبدأ المواطنة التي ترعى حقوق الأقليات كما ترعى حقوق الأكثرية، كلهم مواطنون تجمعهم أرض وطن واحد، وبهذا فقد سبق الإسلام النظم الحديثة بإقرار مبدأ المواطنة وإن لم يكن بهذا العنوان لكن المضمون هو هو. إذاً، فالعدل في الإسلام مبدأ أساسي قامت عليه دولة الإسلام الراشدة، والتزم به خلفاء الإسلام الراشدون، واشتهر به العديد من الخلفاء حتى أن الصحابي الجليل عبدالله ابن عباس رضي الله عنه كان يقول عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا ذكر العدل ذكر الفاروق! من شدة التزام عمر بن الخطاب بمبدأ العدل والعمل به، حتى أنه كان يقول للناس إذا ظلم الوالي أحد الرعية وبلغني أمره ولم أنصفه فكأني أنا الذي ظلمته لأنني أنا الذي اخترت له الوالي، وكان رضي الله عنه يشدد على الرعية أن ترفع إليه أية مظلمة ارتكبها الولاة في حقهم، ولهذا كان الولاة أخوف ما يخافونه أن يرفع واحد من الرعية مظلمته إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان لا يتهاون في مظلمة رفعت إليه، وقصة القبطي مع ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه ليست عنا ببعيدة. 

أيها المسلم: كن عادلاً حتى لا يطمع ظالم في حيفك، ولا ييأس مظلوم من عدلك!!

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا