Print
أحيا نظام التعليم على الطريقة القديمة.. الدروس "الشافعية" في الأروقة الأزهرية!.....
أحيا نظام التعليم على الطريقة القديمة..  الدروس

صلاح حسن رشيد

باحث وأديب مصري

 

قبل تسع سنوات؛ مررت بصديق، وأنا مستاء مستاء؛ فسألني عن السبب؛ فقلت: إن الدروس الحرة التي نقرأ عنها في رحاب الأزهر الشريف؛ لم تعد موجودة؛ فلما رأى شدة حزني؛ وحنيني البالغ من أعماقي؛ لها ولأجوائها؛ قال لي: أبشر؛ ولا تحزن يا أخانا؛ فأروقة الأزهر الشريف؛ بدأت نشاطها على يد العلاّمة الدكتور/ حسن عبد اللطيف الشافعي في جميع العلوم العقلية والنقلية على الطريقة القديمة؛ فاستبشرت خيراً؛ وعزمت على حضور دروس شيخي/ الشافعي .. الأزهري الدرعمي المجمعي المنطقي اللندني.

رجل؛ له هالة أخّاذة، وله تواضع يعجز عنه الصوفية الأقطاب، وله بلاغة آسرة، وله منطق خلاب، وله صفاء نفس عجيب؛ وله كرامات لا يطلع عليها أحداً؛ وله ولع بالأدب والشعر واللغة؛ وهو المتخصص في الفلسفة، وعلم الأصول، والكلام، والمذهب الأشعري، وفي الفقه الاثني عشري على وجه الخصوص. يترأس حالياً مجمع الخالدين اللغوي القاهري، واتحاد المجامع اللغوية العربية، وهو عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وعضو مجلس حكماء المسلمين بالإمارات، وهو عضو بالعديد من المحافل الشرعية والفلسفية في مصر وخارجها.

 إذاً؛ فلم يخطئ أساتذة دار العلوم، وعلماء الأزهر الشريف، وأعضاء مجمع اللغة العربية(الخالدين) بالقاهرة؛ عندما وصفوه بـ(الشافعي الصغير) تشبيهاً له بالإمام/ الشافعي صاحب المذهب المشهور؛ في سعة الأفق؛ ودقة النظر، وقوة الاستدلال، وفصاحة التعبير، وحضور الشواهد والأدلة على قلبه ولسانه، وكثرة الفتوحات الربانية في أكثر من علمٍ شرعي، وعقلي، ولغوي، وإنساني!

لا؛ بل؛ لم يجانب الصوابَ؛ أهل التصوف، والتشوف، والكرامات؛ عندما قالوا عنه:"إن كراماته تظهر على وجهه؛ حتى وإن تعمد إخفاءها وراء شخصية الفقيه المتمنطق المتفلسف؛ فأنوار الاستغفار، واشتغاله بالمقامات بعد الأحوال؛ تكفي لعدّه من الصوفية الفقهاء؛ الذين مزجوا بين المنهجين؛ بمهارةٍ شديدة، وإتقانٍ تامٍ، فكان أقرب ما يكون إلى أبي حامد الغزالي، وابن عطاء الله السكندري، وشيخه الإمام الأكبر/ عبد الحليم محمود؛ فنجا مثلهم؛ من الازدواجية المصطنعة، والاختلاف الوهمي؛ الذي وقع فيه التياران: الصوفية، والفقهاء؛ في حربهم المستعرة تاريخياً وسياسياً!

أجل؛ لقد عاش العلاّمة الفقيه الدكتور/ حسن الشافعي(1930م- ...)؛ داعيةًً للتقريب، ونبذ الفرقة، وتوحيد الكلمة بين أهل المذاهب، والطوائف، والملل، والأعراق، واللغات؛ ضمن إطار الوحدة الثقافية الإسلامية الجامعة بين المسلمين(سنّةً وشيعةً) وبين أهل الكتاب؛ الذين انخرطوا في البلاد العربية والإسلامية منذ قديم الأزل؛ فكانوا إخوةً في المواطنة والإنسانية؛ لهم ما لنا، وعليهم ما علينا.

صاحب فكرة إحياء الأروقة

ومن حسنات؛ العلاّمة/ حسن الشافعي؛ وما أكثرها؛ بل؛ من أعلاها مقاماً ورفعةً؛ أنه كان صاحب فكرة إحياء دروس أروقة الأزهر الشريف؛ على الطريقة القديمة، كما كان أعلام الأزهر الشريف يدرّسون لطلاّبهم قبل مجئ المدنية الحديثة؛ حتى أصبحت هذه الأروقة جامعةً مفتوحةً في رحاب الجامع الأزهر العريق؛ يرتادها اليوم المتخصّصون من كافة فروع العلم الشرعي والفلسفي والاجتماعي، والعامّة مجاناً، ويتم فيها شرح وقراءة أُمّهات كتب التراث الشرعي والعقلي واللغوي، وتُعطَى إجازات علمية في نهاية هذه الدروس من قبل علماء الأزهر الشوامخ. بل؛ "إن شيخنا الشافعي؛ مازال يواظب على التدريس فيها بانتظام يحسد عليه"؛ كما قال عنه المحقّق الأردني الكبير الراحل/ عصام محمد الشنطي بإعجابٍ لا مزيد عليه؛ برغم مرضه وعلو سنه، وحاجته إلى الراحة؛ إلا أنه يقوم بتدريس مؤلفات التراث الإسلامي؛ بهمة الشباب وعزيمة الشيوخ، كـ: معيار العلم لأبي حامد الغزالي في المنطق، والمواقف للإيجي في علم الكلام، وأبكار الأفكار للآمدي في المنطق، والشمائل المحمدية للترمذي، وحِكَم ابن عطاء الله السكندري بشرح ابن عجيبة الفاسي الحسني.

ولا ننسى؛ أنه واضع برنامج تحديث وتطوير مناهج الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد عندما رأسها؛ حيث نقل لها النظم والمقررات الأزهرية؛ المنفتحة على أغلب التيارات، والفرق، والمذاهب الكلامية، والفقهية، والفلسفية في التراث الإسلامي؛ بلا تعصب، ولا تنطع، مع إدخال الفكر الغربي ومدارسه ومناهجه؛ حتى أصبح كل الباكستانيين على اختلاف مذاهبهم، ومشاربهم، وطوائفهم، ومذاهبهم؛ يدرسون فيها؛ بفضل وسطية الأزهر، واعتداله، وعالميته، كما يقول في كتابه " قول في التجديد" الصادر العام الماضي عن مجلس حكماء المسلمين بأبي ظبي.

ولهذا؛ فلم أملك نفسي؛ إعجاباً بموسوعيته، وجمعه بين الثقافتين: الإسلامية والغربية؛ فقلت فيه شعراً، تحت عنوان(في تحية الإمام حسن الشافعي) عقب انتهائه من أحد دروسه، واستئذانه في الانصراف سريعاً؛ لمعاودة الطبيب؛ فتأثرت؛ نتيجة إيثاره نشر العلم على سلامة نفسه وطلبه الراحة لبدنه المدنف:(قد عاش يخشى ربه متجردا/ هو مبتلى متبصراً متزودا/ شيخ الطريقة والحقيقة والنهى/ في منطق "اليونان" صار مجددا/ في زهده فاق "الجنيد" مراتبا/ في "نحوه" زاد النحاة مواردا/ في فقهه تجد المقاصد تبتغى/ يعطيك من كل المذاهب مشهدا/ ترك التعصب بانفتاحٍ باهرٍ/ هو "مالكي"" شافعي" محتدا).

مؤلفاته وبحوثه

فمن مؤلفاته وبحوثه القيمة: التيار المشّائي في الفلسفة الإسلامية، والمدخل إلى دراسة علم الكلام، وفصول في التصوف، وسيف الدين الآمدي وآراؤه الكلامية، وهو أطروحته للدكتوراه في جامعة لندن، وفي الفلسفة منهج وتاريخ بالاشتراك، ولمحات من الفكر الكلامي، وفي فكرنا الحديث والمعاصر، وتحقيقه لكتاب"المبين في معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين" لسيف الدين الآمدي مع مقدمة ضافية عن المصطلح العلمي والكلامي بصفةٍ خاصةٍ في التراث الإسلامي، وتحقيقه كتاب"تجريد الاعتقاد" لنصير الدين الطوسي، وتحقيقه كتاب"غاية المرام في علم الكلام" للآمدي، وتحقيقه كتاب"أساس الاقتباس في المنطق" في خمسة أجزاء، وتحقيقه لكتاب"عطف الألف المألوف على اللام المعطوف" للديلمي بالاشتراك، وله بحث بالإنجليزية عن"مبادئ علم أصول الفقه وكيف يفيد الاقتصاديون المسلمون منه" كما ترجم كتاب"تاريخ التشريع الإسلامي" لكولسون عن الإنجليزية بالاشتراك، وله بحوث أخرى عديدة ألقاها في المحافل العلمية الشرعية واللغوية والفلسفية، كما صدرت سيرته الذاتية العام الماضي بعنوان"حياتي في حكاياتي" في بيروت، وهو الآن بصدد طرح الجزء الثاني منها، كما أنه شاعر صوفي، وله ديوان شعر صدر العام الماضي بعنوان"في الثمانين بدأت شعري"، وله ديوان آخر سيصدر قريباً. وهو عاكف منذ مدة على تفسير كتاب الله من الوجهة الاعتقادية الكلامية، وقد انتهى من ثلث القرآن حتى الآن، وله كتاب جديد بعنوان"مقدمة تأسيسية لعلم القواعد الاعتقادية في القرآن والسنة"، وله كتاب" حكم من عطاء الله" على غرار حكم ابن عطاء الله، وكتاب"مقال في المنهج" رداً على ديكارت. وله بحوث فلسفية، وبحوث لغوية في مجلة مجمع الخالدين. وله عناية خاصة بفلسفة صدر الدين الشيرازي.

وله مناظرات، ومواقف مع أقطاب التيار الليبرالي في مصر؛ وتجمعه في الوقت نفسه؛ صداقة ومودة مع أغلبهم؛ برغم الاختلاف الفكري.

بل؛ بلغ؛ مِن إنصافه، وعدالته؛ أنه زكّى ترشيح الأديب القبطي العلاّمة/ وديع فلسطين(95 عاماً)؛ لعضوية مجمع (الخالدين)؛ ولمّا سئل عن ذلك؛ أجاب قائلاً: "إنه حجّة في الأدب واللغة والترجمة والصحافة".

وهو من العارفين؛ بأحوال الناس، ومعاشهم؛ بخبرته الحياتية الطويلة، وقراءاته اليومية لجميع أنواع الصحف والمجلات؛ حتى إنه يرسل لتلامذته ما يهمهم في أطروحاتهم؛ من قضايا، وحوارات، ودراسات أولاً بأول.

حكى أحد تلاميذه؛ أن مجلس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة وافق على أطروحته للدكتوراه؛ بإشراف العلامة الدكتور/ حسن الشافعي؛ فما كان منه إلا أن أحضر لهذا الطالب أول مرجعٍ في أطروحته هدية له؛ كي يساعده في إنجاز البحث؛ بأسرع وسيلة ممكنة!

وكثيراً؛ ما رأيت الباحثين المصريين والعرب، والهنود، والأتراك، والإفريقيين، والشوام، والمغاربة، والماليزيين، والباكستانيين، والبنغاليين؛ من كل فروع العلم الشرعي والفلسفي؛ يؤمّون مجلسه العلمي برواق المغاربة بالأزهر الشريف صبيحة كل يوم سبت حتى صلاة الظهر؛ طلباً لنصيحته، واستشارته في اختيار فكرة ما؛ تصلح بحثاً لهم في أطروحاتهم للماجستير والدكتوراه، وبالفعل؛ يعطيهم بصدرٍ رحبٍ الأفكار المناسبة لهم؛ فيسجّلون فيها. وكثيراً ما صحّح لهم الأخطاء، وصوّب لهم خطّة البحث؛ بل دلّهم على المصادر المعتبرة، ووجّههم بطريقةٍ علميةٍ؛ لا مثيل لها في العطاء والبذل!

بل؛ إنه أثناء دروسه المجانية في أروقة الأزهر الشريف؛ إذا ما تعرّض لفكرةٍ ما؛ قال بعقل قلبه، ولبّ بصيرته: "أين الباحثون الجادّون؟ هذه فكرة بحثٍ جديدةٍ؛ تنادي صاحبها؛ فمن يسجِّل فيها؟".

وهو في دروسه، ومحاضراته، ومجالسه؛ ينطلق كالبحر في غزارة علمه، وحضور بديهته؛ فإذا ما عرضت له مسألة صوفية فصّصها بحكمته؛ وإذا ما جاء السياق على ذكر مسألةٍ فلسفيةٍ؛ أوضحها ببراهينه اللامعة؛ وبروعة مقدماته وصحّة نتائجه، وإذا ما أتى النص على مسألةٍ فقهيةٍ؛ جلاّها نصاً واستدلالاً، وإذا ما كان الحديث عن مسألةٍ لغويةٍ؛ بيّنها نحواً وصرفاً، وبياناً، وأسلوباً، وكشف خبيئها، وكل ما قيل عنها شعراً ونثراً!

 

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا