المؤمن القوي له مكانة عظيمة عند الله تعالى لأنه أخذ بالأسباب وسعى في طلبها، وفعلها في حياته لتكون له حصنًا يمنع أعداءه وشانئيه من التغرير به.
يقول صلوات ربي وسلامه عليه، وهو يحدد معالم الشخصية المؤمنة، القوية: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» رواه مسلم. نلاحظ في هذا الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع أسباب القوة والمنعة من أطرافها، وقرر بداية مكانة المؤمن القوي عند الله تعالى، ورغب في تحصيل أسباب القوة، فيتحول المؤمن الضعيف إلى مؤمن قوي يحبه الله تعالى.
فالقوة في أساسها خير، وهي خير من الضعف لأنه ليس من صفات المؤمن الضعف والاتكال والتكاسل، ذلك لأن المؤمن يعتصم بحبل الله الوثيق، يقول تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون» (آل عمران 103).
وقال تعالى: «وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين» (الأنفال 46). إذن فالحديث الذي صدرنا به كلامنا يشير إلى معالم القوة، ويدلنا على أسبابها، ومن هذه المعالم الحرص كل الحرص على ما ينفعك أيها المؤمن وأن تتلمس أنواع المنفعة وتتخير أفضلها، فهذه علامة لا تخطؤها العين ولا يغفل عنها العقل الراشد بل يسعى إليها في مظانها، ثم من أسباب القوة أن تستعين بالله تعالى في كل شأن من شؤونك وأن تؤمن بأن الله تعالى هو مصدر العون والتوفيق، وبعد ذلك لا تعجز عند مواجهة الخطوب، ولا تمكن الشيطان من نفسك حين تتعلل بأنك لو فعلت كان كذا وكذا، بل قل قولة الواثق من توفيق الله تعالى وعونه ومدده لك: قدّر الله وما شاء فعل. ومادام الأمر قد وقع والبلاء قد حل فهو من قدر الله تعالى الذي لا يرد، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا لا نشغل أنفسنا بالأماني، وألا نسلم أنفسنا إلى الشيطان يعبث بها، ويصدها عن ذكر الله بل لا بد من أن نوصد أمامه كل الأبواب والمنافذ التي من الممكن أن يدخل منها علينا، ويعلم الشيطان أنه أمام مؤمن قوي يعيش في كنف الله تعالى وحصنه الحصين. حين يتسلح المؤمن بمثل هذه الأسلحة التي تبني ولا تهدم، وتصلح ولا تفسد، وأنها دائمًا تقف مع المظلوم ضد الظالم، ومع أصحاب الحقوق وإن عجزت أسبابهم عن تحصيل حقوقهم، فالمؤمن القوي يكون عونًا لهم، ودرءًا يحميهم من غوائل الزمن، وظلم الظالمين.
إن دعوة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لا شك أنها دعوة مبرورة لأنها تسعى لخير المؤمن، وتمكن له في الأرض ويحسن باتباع هذا الدين العظيم والقوي أن يكونوا عند حسن ظن الله تعالى بهم، وعليهم أن يروا عدوهم قوتهم وتماسكهم وألا يمكنوا لأعدائهم من أنفسهم. إن هذا الدين قوي ويجب أن يكون أتباعه أقوياء في أقوالهم وأفعالهم.
مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد
01285330279-01285330279- 01060314825