Print
كتاب تاريخ البيطرة عند العرب تأليف ليون موليه- دراسة تحليلية نقدية.....
كتاب تاريخ البيطرة عند العرب تأليف ليون موليه- دراسة تحليلية نقدية

عادل السيد عبد الواحد

أستاذ بكلية الطب البيطري، جامعة جنوب الوادي

adel.mohamed@vet.svu.edu.eg

adelqena60@gmail.com

صدر كتاب تاريخ البيطرة عند العرب لمؤلفه ليون موليه عن مركز تحقيق التراث بجامعة مصر للعلوم و التكنولوجيا، ترجمة الدكتور أسامة أحمد عبد الجليل، وراجعه كل من الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور،  والدكتور محمود مهدي بدوي، والذي صنع كشافاته أيضًا، وقمت بعمل هذه الدراسة عن الكتاب، وتم كل ذلك تحت إشراف الأستاذ الدكتور أنس عطية الفقي، مدير المركز.

حيث يعد  البحث والدراسة في مجال تاريخ العلوم موضوعًا هامًا في مجالات البحث العلمي في العلوم الانسانية لما له من أهمية في دراسة التاريخ العلمي للحضارات، وما له من دور في فهم الماضي واستشراف المستقبل، بل ويعد ركيزة أساسية للإضافة والإبداع في العلوم الحديثة، ولا يمكن أن تتقدم أمة دون أن تستوعب  تاريخها وتاريخ العلوم، وهو أمر يقوي الهوية والانتماء ويذكي روح المثابرة والإصرار على التقدم.

ودراسة تاريخ العلوم العربية أمر في غاية الأهمية لأنه مكون من مكونات الحضارة الإنسانية، وواجب إنساني وعربي، والحضارة العربية الإسلامية حضارة مرموقة قدمت الكثير للحضارة الإنسانية وبوجه خاص في مجال العلوم، والطب البيطري واحد من هذه العلوم التي أبدعت فيها الحضارة العربية الإسلامية أيما إبداع، قيمة علمية عالية ومتفردة في التاريخ الإنساني، لأن بيئة العرب كان الحيوان وخاصة الخيل المكون الإساسي لها.

ورغم أن تاريخ البيطرة نقطة قوية ومتألقة في تاريخ العلوم العربية، لكن للأسف لم يلق ما يستحقه من اهتمام من أبناء العربية، وما تم من تحقيق مخطوطات في مجال البيطرة والحيوان في أغلبها لم تكن على المستوى العلمي اللائق، ولم يكن ذلك قاصرًا على علماء العربية دون غيرهم، وأيضًا العلماء غير العرب لم نجد منهم الا في مواضع قليلة ونادرة من أنصف البيطرة العربية، فهم يعتبرونها عالة على البيطرة اليونانية الرومانية، وأن العرب مجرد نقلة ولم يضيفوا شيئًا، ويكاد أن يكون هناك إصرار على هذا الموقف، مع العلم أن كل المعطيات تؤكد وبحيادية إمكانية أن يكون للبيطرة العربية شأن عظيم، بل المركز الأول، وهذا ما سنراه في السطور القادمة.

فقيض الله لها موليه، ذلك الطبيب البيطري الفرنسي الذي تخرج في مدرسة الفور للبيطرة.

وأكاد أجزم أن ما قام به ليون موليه الطبيب الييطري الفرنسي فيما كتبه عن تاريخ البيطرة عند العرب، أنه الوحيد وحتى الآن الذي أنصف البيطرة العربية بشكل موضوعي واضح مبني على التحليل العلمي الرصين، وبهذا الكم من المعلومات والتعليقات التي تناولت الأسباب المنطقية والواقعية، وتقييم ما تركوه من مؤلفات ضخمة وهامة في هذا الميدان، وما تحصل عليه من نتائج في بحثه تؤكد تقدم العرب في البيطرة.

وأحسن أيضًا في وصف ما واجهه من صعوبات كبيرة، لأن الأمر جد شائك ومتداخل وروافده من المخطوطات تحتاج إلى مجهود كبير، إذا كان صاحب العمل ينوي أن يقدم معلومة ونتائج حقيقية وموضوعية وذات قيمة، وكان عالمًا يقدر مسؤلية الكلمة والمعلومة.

ولأمانته ومستواه العلمي فكر مرارًا وتكرارًا في العزوف عن هذه الدراسة قبل الشروع فيها، فهو يقول وبتواضع العلماء عن دراسته: إلّا إنَّها غير كاملة، ويقرر أن الميدان سيظل مفتوحًا أمام العلماء المشتغلين بهذه الصناعة.

فشكرًا له على أمانته، بل يستحق أن يحتفى ويحتفل به بعد هذه السنوات الطوال، لتكريمه وإنصافه، كما أنصف البيطرة العربية.

ويبدو أن البيطرة العربية كانت على موعد مع مدرسة الفور للبيطرة، فأول طبيبين بيطريين أتيا إلى مصر للتدريس في أول وأقدم كلية في عهد محمد علي في مصر والعالم العربي كانا من مدرسة الفور.

نعم أول أطباء بيطريين جاءوا إلى مصر لمعاينة حالات وباء شديد ظهر في الثيران التي كانت تستغل في طواحين ضرب الأرز في رشيد، حيث تسبب هذا الوباء في نفوق أكثر من ألف ومائتين من الأبقار مما أدى إلى التوقف عن العمل، الأمر الذي جعل محمد علي والي مصر يستدعي طبيبين بيطريين من مدرسة الفور وهما المسيو هاموه Hamont, المسيو برتوه     Pretot فقاما بإجراء الصفات التشريحية لجثث الكثير من الحيوانات النافقة، وقررا أن الأصابة ترجع إلى نوع معين من الطاعون، وتحسن الحال بعد ذلك، كان ذلك في عام 1827م حيث تم على يديهم أول مدرسة للطب البيطري في مصر الحديثة، ثم انتقلت المدرسة إلى أبي زعبل في عام 1831م ثم إلى شبرا في 1838م

وتركت لنا هذه الفترة مجموعة من كتب البيطرة باللغة الفرنسية والتي ترجم معظمها الخواجا يوسف فرعون إلى اللغة العربية ومراجعة مصطفى كساب مثل كتاب “منتهى البراح في علم الجراح” لمؤلفه المعلم برنس، وله كتاب “نزهة الرياض في علم الأمراض”، وغيرها مما يطول شرحه.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد في التعاون المصري الفرنسي في مجال الطب البيطري الحديث وخاصة مدرسة الفور وكانت مصر قد أرسلت محمد عبد الفتاح إلى أوربا لدراسة الطب البيطري الحديث عام1830م والذي عاد من مدرسة الفور الفرنسية عام 1836م حيث عين بمصر، ومن آثاره كتاب تحفة القلم في أمراض القدم عام 1837م حيث ترجمه محمد عبد الفتاح وراجعه رفاعة رافع، وقد عرب بعض المؤلفات الفرنسية الأخرى مثل نزهة المحافل في معرفة المفاصل وكذلك كتاب البهجة السنية في أمراض الحيوانات الأهلية.

أرأيتم هذه المحطات الكبيرة التي شاء لها القدر بين مصر ومدرسة الفور للبيطرة بفرنسا، والتي نحن اليوم مع أحد هذه الانجازات العطيمة مع موليه والتي تخرج في نفس المدرسة أيضًا في كتابه العظيم في تاريخ البيطرة العربية.

وضع موليه الطب البيطري  العربي بين الطب البيطري القديم والحديث وفي مقارنة مع البيطرة اليونانية، مستخدما الاحصائيات التي تتعلق بعدد الأمراض التي تصيب عضوا معينًا في جسم الحصان وما توصلت إليه أي من الحضارتين من معلومات في هذه الأمراض، وكان موضوعيًا  لم يبخس حق اليونانيين  ولا العرب، لكن ما قام به من مقارنات أظهرت نتائجها بجلاء ووضوح لكل ذي عينين التفوق العربي المبهر في مجال البيطرة.

ووصف بدقة الكثير من الموضوعات التي تفوق فيها العرب على اليونانين مستخدمًا الاحصاء الدقيق بما لا يدع مجالًا للشك للتفرد والتفوق العربي في مجال البيطرة.

ويؤكد مولييه التفوق العربي من خلال ذكر أمراض لم تعرف من قبل وأول من اكتشفها العرب، أو أمراض كانت معروفة لكن العرب أضافوا وبشكل كبير من القدرة على تشخيصها من خلال إضافتهم لأعراض هذه الأمراض أو من خلال اكتشاف طرق جديدة للعلاج وكذلك أدوية لم تكن معروفة من قبل، ومثال ذلك:

يذكر تفوق العرب على اليونانيين في معرفة أعراض وطرق علاج الجهاز الهضمي والتنفسي وكذلك بقية الأمراض الخاصة بأجهزة الجسم وكافة الأعضاء، والجراحة والتناسليات وغيرها.

ويضيف موليه أن  كتب البيطرة العربية قدمت وصفا دقيقا وترتيبا منهجيا لأغلب الأمراض، وأثبتت تفوقها على مصنفات علماء اليونان والرومان وقد جاءت وسطا بين مصنفات علماء البيطرة في العصور القديمة ومصنفات علماء البيطرة في مطلع العصور الحديثة.

وأن العرب تفوقوا على أنفسهم في علم حفظ الصحة وفن تربية الحيوان. ويكفي دراسة بعض كتب العرب في تربية الخيل ليتبين مدى الدقة والعناية في وصفهم لأصول تربية الحيوان.

ويرى موليه أن ممارسة مهنة البيطرة في الحضارة العربية أن  كل قبيلة كانت  تتخذ بيطارا أو اثنين قد أخذا علمهما عن علماء البيطرة الحاذقين، وأقاما عندهم فترة من الزمان طالت أم قصرت. ويكفي أن يكونا قادرين على علاج جميع الأمراض.

ويحدثنا المؤلف عن أبي بكر بن البدر البيطار المعروف وحديثه عن أخلاقيات ممارسة المهنة في وصايا البياطرة وما يجب على الطبيب البيطري أن يفعله وكذلك ما بجب عليه أن يتجنبه وقواعد تعامله مع أساتذته ومعلميه وسلوكياته الشخصية وما يدلي به من شهادة في حالات الطب القضائي أو الشرعي وكذلك التعامل السليم مع  أصحاب الحالات خاصة الفقراء وأيضا ما يجب أن يعرفه من قواعد ممارسة المهنة حتى لا يضر بالحالة نفسها وكيف يتعامل معها والنصيحة التي يجب أن يقوم بها في الحالات الميؤوس منها.

وفي الفصل الثاني يقوم موليه بالتعريف بمؤلفي ومؤلفات البيطرة العربية والفلاحة بالإضافة إلى بعض المترجمين، ويخصص الفصل الثالث للأمراض، ويجعل الفصل الرابع للجراحة.

وبعد، فالكتاب غاية في الروعة، حجر زاوية في تاريخ البيطرة العربية، وهذا ما اختصرته من دراستي التحليلية النقدية، وللاطلاع عليها؛ فهي موجودة كاملة بين دفتي الكتاب.

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا