Print
المؤثرات في شعر الأمير.....
المؤثرات في شعر الأمير

بقلم

يسري عبد الغني

ذكر شوقي أنه بدأ نظم الشعر وهو طفل ، وكان يخطئ ويتعثر ، ولكنه ما لبث أن تعلم اللغة العربية على يد أستاذ قدير ، هو المرحوم الشيخ حسين المرصفي صاحب كتاب (الوسيلة الأدبية) ـ وقد كتبنا دراسة عن هذا الرجل المتميز ، نأمل أن ترى النور ـ ، فاستقام له ميزان الشعر ، بين العشرين والخامسة والعشرين .
وسافر شوقي إلى فرنسا ليتم دراسته ، ومكث بها زهاء خمس سنوات ، وفتن بالمسرح ، وقرأ كثيرًا من روائع الأدب الفرنسي ، وظل أثر هذه الفترة ماثلاً في نفسه أمدًا طويلا ، وإليها يرجع فضل كبير فيما استحدث من جديد الشعر ، إذ أنها هي التي وجهته إلى المسرحية الشعرية التي لم يكن للأدب العربي عهد بها من قبل.
وأفاد شوقي إفادة كبيرة من قراءة الشعر العربي القديم في مختلف عصوره ، وحفظه لروائع آثاره ، ومعارضته لكبار شعرائه في أجود قصائدهم ، وقد قيل : إن ( شوقي ) كان يحفظ ما ورد من كلمات في أبواب المعاجم اللغوية العربية القديمة مثل : (الصحاح) للجوهري ، و (لسان العرب) لابن منظور ، و غيرهما ، حفظًا عن ظهر قلب.
وكان قبل منفاه يؤثر المعنى على اللفظ ، ويقتبس كثيرًا من معاني الأدب الربي دون احتفال بالصياغة ، ثم أتيحت له في منفاه الأندلسي الفرصة لكي يزيد من محصوله من الأدب العربي الرفيع وبالذات الأدب الأندلسي بشتى فنونه ، فرجع قوي الدباجة ، رائع الموسيقى ، متمكن من الأداء المعبر بأروع لفظ ، وأقوى بيان.
ومما لا شك فيه أن (شوقي ) أفاد أيضًا من صحبته للشاعر الوديع النبيل إسماعيل صبري ، وكان شاعرًا مرهف الحث ، دقيق الذوق ، فاعتاد في مبدأ حياته الشعرية أن يعرض عليه شعره ، فلا يزال يعالج معه ما عسى أن يقع فيه من قلق في اللفظ ، أو ضعف في المعنى ، أو نشوز عن مواقع الجمال ، ثم ما لبث أن استقل بمراجعة شعره ، وتمكن من نظمه ، حتى كان ينظم في كل مكان وزمان ، جالسًا أو ماشيًا ، وحده أو مع الناس .
وربما أتم شوقي نظم قصيدة رائعة في ساعة واحدة ، كما فعل وهو في مدينة دمشق العاصمة السورية ، ليلة تكريمه في المجمع العلمي العربي ،ومثل قصيدته (النيل) التي مطلعها :
من أي عهد في القرى تتدفق ؟
وبأي كف في المدائن تغدق ؟
ويقال إنه نظمها في ليلة واحدة ، وهي تربي على 150 بيتًا من أروع ما قيل في الوصف .
وشوقي نشأ وعاش مترفًا منعمًا ، فكان لهذه الحياة الأثر الكبير في أخيلته وصوره الشعرية ، وإليك ـ أيها القارئ الكريم ـ مثلاً وصفه للجزيرة التي تقع على الجانب الغربي من نهر النيل بالقاهرة :
وخميلة فوق الجزيرة مسها
ذهب الأصيل حواشيًا ومتونا
كالتبر أفقًا ، والزبرجد ربوة
والمسك تربًا ، واللجين معينًا
وقف الحيا من دونها مستأذنًا
ومشى النسيم بظلها مأزنــًا
وجرى عليه النيل يقذف فضة
نثرًا ويكسر مرمرًا مسنونـًا
يغري جواريه بها ، فيجثنها
وغيريهن بها فيستعلينــــا
راع الظلام بها أوانس ترتمي
مثل الظباء من الربا يهوينـا
يخطرن في ساح القلوب عواليًا
ويملن في مرأى العيون غصونا
عفن الذبول من الحرير وغيره
وسحبن الآس والنسرينـــا


لقد كان لاتصال أحمد شوقي بالقصر أو بمقر الحكم ، واطلاعه على خفايا السياسة المصرية ، ووجوده في تلك الفترة التي اشتد فيها الصراع بين الوطنيين والاحتلال الإنجليزي ، ثم نفيه إلى أسبانيا ، ثم عودته والثورة المصرية الشعبية سنة 1919 م ، على أشدها ، وما أعقبها من إعلان رفع الحماية عن مصر بتصريح 28 فبراير سنة 1922 م ، كان لكل هذا أثر محسوس في شعره موضوعًا وعاطفة .
كان شوقي كثير الأسفار ، وكان وثيق الصلة بالباب العالي أو الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية بتركيا قبل أن تسقط الخلافة ، وقد أفادته هذه الأسفار المتنوعة تجربة واسعة ، وأطلعته على مناظر باهرة ساحرة ، وعلى بيئات مختلفة للطبيعة والناس ، نضيف إلى ذلك أن شوقي كان يجيد أكثر من لغة غير اللغة العربية ، فقد كان يجيد التركية ، والفرنسية ، ويقرأ روائع آثارها كأهلها تمامًا ، ولعل ذلك ما وسع آفاقه الشعرية ، وأغنى رصيده الفني ، وزاد أفقه وخياله ، مما هيأه لأن يكون بحق شاعر العربية الأول في العصر الحديث .
وقد تصرف في جميع فنونه الشعرية بأصالة واقتدار قلما نعثر عليهما في مطالعتنا لعديد من الشعراء ، ولذلك بهر معاصريه بخصب شاعريته ، ورحابة أفقه ، وعلو بيانه ، وعارض عن بينة ومقدرة أدبية وفنية كبار شعراء اللغة العربية في أروع قصائدهم ، فما تخلف عنهم ، ولا شابت معارضته شائبة قصور أو ضعف .
كما أنه تأثر بالأدب الفرنسي، وأخذ منه ما أضاف جديدًا إلى الشعر العربي ، وحذا حذو الشاعر الفرنسي (فيكتور هوجو) في الموضوعات السياسية والوطنية ، وفي التاريخ القومي ، وأساطير القرون ، كما حذا حذو الشاعر الفرنسي (لافونتين) في الحكايات الخرافية ، وإن كنا نؤكد هنا على تأثر (لافونتين) نفسه بحكايات كليلة ودمنة التي عربها الأديب والمترجم العباسي عبد الله بن المقفع ، ونؤكد أيضًا على أن (شوقي) قرأ هذه الحكايات قراءة واعية هاضمة ، رغم نفيه ذلك لأسباب غير واضحة .
كما أنه حذا حذو الشعراء الفرنسيين الكبار (كورني) و (راسين) و (موليير) في التمثيليات أو المسرحيات الشعرية التي كتبها شوقي .
ولكنه مع تأثره لكل هؤلاء في ألفاظه ومعانيه ـ ظلت شخصيته قوية محتفظة بأصاتها ، مسيطرة على شعره ، تلمس فيه روحه ، وثقافته الواسعة العميقة ، وخياله المجنح ، وموسيقاه العذبة .
لقد ترك شوقي لنا ديوانًا ضخمًا من الشعر العربي البديع الجميل في أربع أجزاء كاملة ، وبقى من شعره قر غير قليل لم ينشر في هذه الأجزاء الأربعة من ديوانه، وقد عكف الدكتور محمد صبري السوربوني على جمعه من قديم الصحف والمجلات ، ونشره في مجلدين بعنوان : (الشوقيات المجهولة) .
كما أضاف شوقي إلى الشعر العربي جديدًا بمسرحياته الشعرية : (مصرع كليوباترا ) و (مجنون ليلى) و (قمبيز) و (على بك الكبير) ، و(عنترة) . وله من التراث الشعري أيضًا (دول العرب وعظماء الإسلام ) ، وأما النثر فمن آثاره فيه كتاب (أسواق الذهب ) و مسرحية (أميرة الأندلس) .

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا