Print
الاستشراق والتحقيق.....
الاستشراق والتحقيق

د. فيصل الحفيان

الاستشراق ظاهرة ثقافية تاريخية طويلة عريضة وعميقة ممتدة، ما يعنينا منها هو ذلك الجزء الخاص بالتعامل مع النصوص التراثية العربية، سواء من جهة النظر أو التأسيس النظري، أو من جهة العمل أو نشر هذه النصوص وخدمتها. وعلى الرغم من هذا التخصيص فإن الموضوع كبير ليس بالإمكان شفاء الغلة منه في وقت قصير كهذا المتاح لنا.
وأحسب أن أول ما ينبغي أن ننأى بأنفسنا عنه هو ( السجال) وتعنية النفس بحشد الأدلة على الأولية والأسبقية ومن أخذ ومن أعطى !
الذي لاشك فيه أن (العلم) مشترك إنساني لا ينهض إلا بالبناء وبالتعاون والتكامل، وأننا شئنا أم أبينا لابد أن نأخذ والمهم هو أن نعطي، وأن غيرنا ؛ اعترف أو أنكر، قد أخذ،  وقد أعطى.
بهذه الروح العلمية يسوغ لنا أن نتحدث عن الجهود العظيمة التي بذلها علماؤنا القدامى، وبخاصة علماء الحديث، في نقد الأخبار عمومًا، وفي وضع القواعد والإجراءات للتعامل مع النصوص، حتى غدت صرحًا منهجيًّا متكاملاً، كما يسوغ لنا أن نتحدث في الوقت نفسه عن الجهود التي بذلها المستشرقون في العصر الحديث في أمرين متلازمين : التأسيس النظري للمناهج، والعمل في تحقيق النصوص العربية.
لندع إذن - غير آسفين – مسألة النوايا والأغراض والسياقات التي قد تشوش علينا وتعكِّر صفاء عقولنا، ليس من قبيل الشعور بالدونية تجاه الغالب اليوم، ولكن من بابة تجديد النظر العلمي في ما تحقق على يدي هؤلاء لجهتين اثنتين :
- جهة الإفادة من تلك الجهود واستثمارها وتوظيفها في تعاملنا اليوم مع ذخيرتنا العظيمة من النصوص، وذلك تحقيقًا لمبدأ التراكم الذي يسهم في إغناء العلم وتقدمه.
- وجهة النقد العلمي المجرد الذي يستهدف التمييز بين ما يُفاد منه ويمكن البناء
عليه وما ينبغي إزاحته والاستغناء عنه وعدم التعويل عليه.
لايستطيع منصف أن يتجاوز على المستوى النظري كتاب ( أصول نقد النصوص ونشر الكتب) الذي وضعه المستشرق الألماني في ثلاثينيات القرن الماضي وكان عبارة عن محاضرات ألقاها على طلبة الآداب في القاهرة، فهو بصورة ما إضافة بل لبنة أساسية لا يغني عنها كتاب آخر من كتب التحقيق العربية، سواء على مستوى المقولات أو الأفكار التي تضمنها، أو على مستوى الأمثلة والشواهد العديدة التي دعم بها تلك المقولات والأفكار.
ولايستطيع منصف أن يغض الطرف عن الأداة العلمية المنهجية التي ابتكرها لاخمان الألماني أيضًا في دراسة النسخ، والتي نسميها ( طريقة النواقص المهمة) أو (طريقة الأخطاء المشتركة) التي قرَّبت صنعة التحقيق من العلم الأساسي، واستخدمت أساليبه في الرصد والعد والإحصاء.
ولا يستطيع منصف أن يتنكر لا على مستوى الكم، ولا على مستوى الكيف للنصوص التي أخرجها المستشرقون على مدى القرون الثلاثة أو حتى الأربعة السابقة في مختلف حقول المعرفة العربية، في اللغة والتاريخ والأدب والجغرافيا والطب والفلاحة والزراعة والحساب .. إلخ .. وبالمناسبة فإن نشرة ديرنبورج الفرنسي لكتاب سيبويه التي صدرت في أوائل القرن التاسع عشر لا تزال حتى اليوم نشرة محترمة علميًّا، يقدمها أهل الاختصاص على غيرها.
وبالمقابل فإن بعض ما درج عليه المستشرقون أوجلُّهم، ليس ذا بال علمي، ولربما يمكن النظر إليه على أنه انعكاس لضعف بعضهم اللغوي في العربية وعدم تمكنهم من ناحيتها، ومن ذلك حرصهم على إثبات جميع الفروق وعدم المفاضلة بينها، وإن لبس ذلك أو أُلبس لبوس الأمانة والدقة والمنهجية العلمية.
لندع -إذن- فكرة السجال، ولنرفع راية العلم فهذه الأخيرة خير وأبقى.

 
 
 
 

Print

مركز تحقيق التراث

بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا

مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا أنشيء عام 2010م خدمة للتراث والمشتغلين به، ومشاركة في الحفاظ عليه والتوعية بقيمته وإبرازا لإنجازاته المزيد

العنوان:

جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الحي المتميز - مدينة 6 اكتوربر
Web: www.must.edu.eg
Facebook: facebook.com/mustuni
Twitter: twitter.com/must_university
Instagram: instagram.com/mustuni
Pinterest: pinterest.com/mustuni

تليفون:

فاكس

01285330279-01285330279- 01060314825

بريد الكتروني


abhashem2009@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة ل مركز تحقيق التراث العربي بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا